الإسلام دين للفرح والإقبال على الحياة، لا العكس
.يسعى أعداء الإسلام منذ أزلهم إلى اتهامه ودمغه بأنه ليس دينا محبا للحياة، إنما يمجد الموت ويدعو إليه، وللأسف ينساق البعض منا إلى ذلك إما بجهل منهم به أو ارتهان بمناهج وأفكار تضاد هذا الدين القويم،
ويقول العلمانيون أن طاعة الله – في كل الأديان- يغلب عليها التعسير لا التيسير، وأنها مرهونة برهق أداء الشعائر، ويكتنفها تعب البحث عن الحِلْ والحرمة وفي ذلك تقييد وحجر على الحرية، بالطبع قد يصح ذلك في أديان ومناهج تضررت نتاج تغول البشر على فحواها،
لكنهم إن درسوا الإسلام وتبينوه لوجدوه بغير ذلك تماما.
لقد كان ذلك مثار نقاش بيني وبين أحد رؤساء الأقسام في شركة ألمانية اسمها Western Research، مقرها في مدينة صغيرة لا تبعد كثيرا عن فرانكفورت إسمها إدًر سايم، وقد اعتدت زيارة تلك الشركة كثيرا وتوثقت علاقتي بكل موظفيها، والرجل إسمه ك. هاناماير، اجتمعنا على مائدة العشاء في مطعم بالجوار في معية 4 ألمان من منسوبي الشركة، وللرجل احترام كبير تبينته في تعامل كل منسوبي الشركة معه، وعلمت بأنه يشغل موقعا مرموقا في الكنيسة، كان يملؤه كره غريب للإسلام!، ولحسن حظي بدأ نقاشنا بخبر عن انتحار لشاب في الليلة السابقة، هذا الشاب عمل لفترة في الشركة، ويعرفه منسوبوها.
شرع هاناماير في الحديث عن الإسلام بكونه دين دموي لايدعو للإقبال على الحياة، وبينه وبين الفرح ورفاه النفس البشرية بعد المشرقين!
رددت عليه قائلا:
أترى الشاب الذي انتحر، هل عليه عقوبة لو قدر لانتحاره ان لا ينجح؟
– لا بالطبع.
– لماذا؟
– لأنه حر، ومن حقه فعل ما يشاء طالما هذه رغبته ولم يسع للإضرار بسواه.
قلت له:
– الإسلام يحرص- بل يلزمنا- على حفظ خمس أشياء يسميها (الكليات أو الأصول أو الضرورات) الخمس، وهي النفس والعقل والنسل والمال والدين، وكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة،
والحفاظ عليها من أسباب استقامة مصالح الدنيا والعباد، ويكون الحفاظ على النفس والعقل بعدم فعل اشياء أثبت العلم ضررها، ومن ذلك تعاطي المخدرات وشرب الخمر، وغير ذلك من الموبقات، ويحاسب المسلم إن سعى إلى فعل ذلك أو تسبّب في اهلاك نفسه.
رد عليّ قائلا:
– أليس في ذلك حجر على الحريات؟
– الإسلام لاينظر للنفس البشرية بأنها ملك لصاحبها، بل هل ملك لخالقها، ومن يضر بعقله أو نفسه كأنما أضر بنفس بشرية أخرى، ألا تسعى الدولة هنا في المانيا إلى منع الأبوين من الإضرار بطفلهما ويسمى ذلك بالانجليزية بالChild abuse، وتعاقبهما ان سعيا إلى التسبب في الإضرار به؟.
ثم قال الرجل أن السلام جاء لينشر بالسيف بارغام الناس.
رددت عليه:
لان جاء الاسلام لينشر بالسيف؛ لماذا نجد العديد من البلدان التي فتحها ظل بعض أهلها على دينهم؟!
كالأقباط في مصر مثلا!
وأخبرته بأن المسلمين الأول ظلوا يعذبون في رمضاء مكة لسنوات ولم يأذن الله لهم بالقتال دفاعا عن اتفسهم إلا بعد موت عدد منهم جراء التعذيب، وبعد الإيذان من الله بالقتال وجدوا انفسهم وسط قبائل وشعوب وحضارتين كلهم محدقون بالإسلام وأهله، وكانت الحرب معهودة في تلك الأزمان، وطلبت منه قراءة ماذا كتب المسلم الفرنسي الدكتور روجيه/ رجاء جارودي رحمه الله عن أدب القتال في الإسلام وماذا كان تفعل جيوش المسلمين في قتالها ائتمارا بدينها.
وصححت له فهمه عن الجهاد.
ثم تطرق إلى نهج الإسلام في الميراث باعتباره ظالم للمرأة كما يراه، وبأنه يودي إلى تركيز المال في أيدي الرجال، وبالتالي يكون ذلك سببا لتعاسة النساء.
رددت عليه بأن أصل النظرية الاقتصادية في الإسلام أن لايكون المال (دُوْلَة) في يد فئة ما، لذلك حرم الربا، وشرع الله الميراث بحيث يزداد نصيب الوارث بناء على كونه مستقبل للحياة ام مستدبر لها، ومن هنا كان تقديم الإبن على الأب!، وقد يقول قائل كيف يقدم ابن الميت على أب الميت والأب هو صاحب الفضل على ابنه وليس العكس؟، وصاحب الفضل أولى ممن لا فضل له؟، والرد على ذلك أن الابن ادعى للإقبال على الحياة لصغر سنه بعكس الأب. ثم جاءت النصوص المتعددة في الإسلام تحث على البر بالوالدين وحسن التعامل معهما ووجوب البر بهما عند كبر سنهما ومرضهما، وعن المرأة أوضحت له تفاصيل القوامة وإلزام الرجل بالصرف على الأسرة وان كانت الزوجة غنية.
وكانت معنا مسؤلة إدارية ستينية لم تشارك في النقاش، لكنها كانت تتابعنا بحرص شديد، وهي بطبعها هادئة الطبع وصَمُوتَة، لكنها قالت لي بعد انقضاء الاسابيع الثلاثة وخلال وداعي لبعض الموظفين المباشرين كل على حدة في مكاتبهم؛ إنها استفادت كثيرا من نقاشي مع هاناماير، وأنها مهتمة كثيرا بالإسلام منذ سنوات، وبحمد الله هداها الله للإسلام بعد ذلك بعام.
الإسلام يا أحباب دين يدعو إلى الفرح والسرور، وهناك العشرات من الآيات في كتاب الله تدعو وتحث المسلم إلى الفرح بحسبانه موئلا للطاعة، وسببا مهما لنيل رضوان الله، بل جعل الله الإبتسامة في وجوه الناس صدقة، وجعل سرور تدخله إلى قلب مسلم من أحب الأعمال إلى الله، وجعل جبر الخواطر مدعاة لحب الله ورضاه، وجعل السعي في حاجة الناس يفضي بفاعله إلى الاستظلال بظل الله يوم لاظل إلا ظله.
عادل عسوم