تحقيقات وتقارير

بعد تجميد العضوية في “إيغاد”.. إلى أين تتجه الأزمة بالسودان؟

قررت حكومة السودان، السبت، تجميد عضويتها بالهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيغاد”، التي تضطلع منذ أسابيع بجهود للتوسط من أجل إجراء محادثات سلام تُنهي الحرب الدموية بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتباينت قراءات محللين وخبراء سودانيين بعد القرار الذي أعلنت عنه الخارجية السودانية، بين من يرى أنه يعكس “غياب الجدية” لطي صفحة الحرب التي تمزق البلاد ويعقّد فرص التوصل إلى حلول في الأمد القريب، ومن يعتبر أن الحكومة السودانية، أقدمت على الخطوة مضطرة بسبب “تحيز وعدم حيادية إيغاد”.

وسعت المنظمة الإقليمية، توازيا مع جهود أميركية سعودية، للتوسط إلى عقد مفاوضات مباشرة ولقاء بين قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد وقوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”.

وأفاد بيان الخارجية السودانية، بأن البرهان، وجه رسالة إلى رئيس جيبوتي ورئيس الإيغاد إسماعيل عمر غيله “أبلغه فيها قرار حكومة السودان تجميد عضويتها في المنظمة”.

وجاء القرار، وفق الخارجية السودانية، نتيجة “تجاهل المنظمة لقرار السودان الذي نقل إليها رسميا بوقف انخراطه وتجميد تعامله معها في أي موضوعات تخصه”، وهو ما لم يحدث في قمة المنظمة الاستثنائية التي عقدت بأوغندا، الخميس.

وشارك في القمة المشار إليها في البيان، كل من حميدتي، ورئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، فيما تستمر الحرب التي اندلعت منذ منتصف أبريل الماضي.

وفي البيان الختامي للقمة، كررت الإيغاد دعوتها طرفي النزاع في السودان إلى “وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار وكذلك وقف الأعمال القتالية لإنهاء هذه الحرب”.

وسبق أن اتهم السودان إيغاد بإضفاء الشرعية على “ميليشيا دقلو” من خلال دعوته إلى اجتماعات يحضرها رؤساء الدول والحكومات الأعضاء، كما وجه لها البرهان اتهامات بالتحيز والسعي إلى التدخل في “شأن داخلي”.

المحلل السياسي السوداني، علي عاطف، يقول إن قرار الخارجية السودانية، يقطع الطريق لجلوس قائد الجيش في أي مفاوضات مع قوات الدعم السريع، مشيرا إلى أن البرهان هو من أصر منذ البداية على نقل المفاوضات من جدة إلى الإيغاد، ليجد مخرجا مع الرؤساء الأفارقة والضغط على قائد الدعم السريع.

غير أنه مع بداية الحوارات في إطار إيغاد، أبدى البرهان الاستياء من دور حميدتي الدبلوماسي المتزايد، واتهم الزعماء الأفارقة الذين استقبلوه بـ”التواطؤ في الجرائم المرتكبة في حق السودانيين”.

وانتقد البرهان زعماء دول أفريقية، منها جنوب أفريقيا وإثيوبيا وكينيا، كانوا قد استقبلوا حميدتي بوصفه رجل دولة خلال زيارات، وانتقد أيضا السياسيين السودانيين الذين اجتمعوا معه في إثيوبيا.

وفي هذا الجانب، يقول عاطف، في تصريح لموقع الحرة، إن قائد الدعم السريع، قام بـ”تحركات دبلوماسية ناجحة بعد الاختراقات العسكرية الميدانية”، وبالتالي “يشعر قائد الجيش أنه يتعرض لحصار”

واعتبر أن “حسابات الجيش والخارجية بنقل الملف من جدة إلى إيغاد كانت خاسرة”.

وفي المقابل، يرى الخبير العسكري السوداني، محمد خالد، أن الخارجية، قررت الانسحاب من منظمة “إيغاد”، بعد أن “أغمضت هذه الأخيرة أعينها عن الجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع”، وبدأت في “البحث عن سلام غير ممكن تحققه تحت صوت السلاح”.

وتدور حرب في السودان منذ 15 أبريل بين قوات الدعم السريع والجيش، أسفرت عن أكثر من 13 ألف قتيل، وفق حصيلة أوردتها منظمة “مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها” (أكليد).

وكانت إيغاد عرضت التوسط لإنهاء الحرب بين قائدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بطرق تشمل استضافة اجتماع مباشر، وهو ما وافق عليه الجانبان، قبل أن تتراجع عنه الخارجية السودانية سريعا.

في هذا الجانب، يقول عاطف، إن المخرج الوحيد لإنهاء الأزمة “رهين جلوس القائدين على طاولة المفاوضات”، غير أنه يشير إلى أن “مسعى الحكومة السودانية لإخراج حميدتي من المحادثات يعرقل تحقيق أي تقدم”، وذلك في ظل سيطرة قواته على ثلاث أرباع البلاد، حيث ينتشر نحو مليون مقاتل ومرتزق.

ويرى أن ما يقوم به الجيش “عملية انتحارية أخيرة” بعد أن تحولت كفة الحسابات العسكرية لـ”صالح قوات الدعم السريع القريبة من السيطرة حتى على معاقل الجيش في بورت سودان وبعض المدن بشمال البلاد”.

وتركت الحرب ما يقرب من نصف سكان السودان، البالغ عددهم 49 مليون نسمة، في حاجة إلى المساعدة، في حين فر أكثر من 7.5 مليون شخص من منازلهم، مما جعل من البلاد أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم.

وتتهم الولايات المتحدة الجيش والدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، وتقول إن قوات الدعم السريع مسؤولة أيضا عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي.

من جهته، يرى العسكري السوداني السابق، محمد خالد، في تصريحه لموقع “الحرة”، أن خطوة تجميد العضوية تأتي أيضا، بعد أن قوبلت “النوايا الحسنة للقائد العام ووزير خارجيته وزياراتهم المتكررة لدول إيغاد ببيانات وتقارير عكس المتفق عليه”.

ومطلع الشهر الماضي، أعلنت “إيغاد” عن موافقة طرفي النزاع بالسودان، على مقترحات لوقف إطلاق النار غير المشروط وعقد لقاء مباشر بين قائدي الجيش وقوات الدعم السريع، غير أن الخارجية السودانية، أعلنت أنها “غير معنية” بالقرار الصادر.

ورفضت وزارة الخارجية السودانية، ما ورد في البيان الختامي للقمة التي عقدت بالعاصمة الجيبوتية، وقالت إنها لا تعترف به، لأنه لم يتضمن الملاحظات التي قدمتها، خاصة أن الاجتماع مع رئيس قوات الدعم السريع مشروط بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب قواته من العاصمة الخرطوم.

ويشير خالد إلى “المواقف السلبية التي أصدرتها إيغاد”، موضحا أيضا أن بعض الدول الأعضاء والمجاورة “تشارك في حرب 15 أبريل من خلال تسليح مرتزقة تدعم قوات الدعم السريع”.

ويؤكد المتحدث أن “المنظمة غير محايدة تماما ومختطفة القرار”، كما أنها لم تدن الانتهاكات التي ترتكبها الدعم السريع على مرأى ومسمع الجميع.. ولا تحترم إرادة الشعب الذي يواجه القوات بمقاومة متزايدة”.

من جانبه، يرى طاهر المعتصم، كاتب صحفي ومحلل سياسي سوداني، أن قرار تجميد العضوية يأتي في “إطار سلسلة من القرارات التي تراجعت فيها الحكومة السودانية، عن إيجاد حلول للأزمة القائمة منذ منتصف أبريل الماضي”.

ويضيف المعتصم في تصريح لموقع “الحرة”، أنه منذ من منبر جدة، لم تتوفر الإرادة الكاملة من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية للشعب السوداني من طرفي النزاع”.

وقبل إيغاد، انخرط الجانبان في مفاوضات برعاية أميركية-سعودية في جدة، غير أن محاولات الوساطة لم تنجح في التوصل إلى تفاهمات كبيرة، واقتصرت على اتفاقات بشأن هدنات وقف إطلاق نار قصيرة، لا يتم احترامها.

وفي هذا السياق، يوضح المعتصم أن الانسحاب من إيغاد يمكن أن يقرأ أيضا ضمن “عدم توفر الإرادة لوقف سفك الدماء وإيقاف الانتهاكات التي تحدث في السودان”.

وبشأن الخطوات المستقبلية لتدبير الأزمة السودانية، يرى المعتصم أن منبر جدة “لا يزال مناسبا من أجل التفاوض، إذا توفرت الإرادة السودانية ـ السودانية، لوقف الانتهاكات والاعتداءات وتيسير وصول المساعدات الإنسانية في ظل الوضع الإنساني القاتم”.

والسبت، طالبت الخارجية السودانية، المجتمع الدولي، بتصنيف قوات الدعم السريع “منظمة إرهابية”، بعد تقرير أممي عن ارتكاب مجازر في إقليم دارفور.

وأفاد تقرير للأمم المتحدة، بأن ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص قتلوا في مدينة واحدة في منطقة غرب دارفور بالسودان، العام الماضي، في أعمال عنف عرقية نفذتها قوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه هذه الأخيرة.

في هذا الجانب، يقول المعتصم إنه على الحكومة السودانية، إذا رغبت في تحقيق أي مكاسب دبلوماسية أو تقديم صورتها لما يجري في الميدان، “ألا تنسحب من الأوساط والساحات الإقليمية والدولية وترك مكانها فارغا”.

ويشير إلى أن “الأوجب دبلوماسية صحيحة تطرح رؤيتها وتطلع المجتمع الإقليمي الدولي بشأن حقيقة الوضع وما يجري”.

ويشير في هذا الجانب، إلى أنه بعد قرار تجميد العضوية بإيغاد، “تبقى كل المساحات الدبلوماسية التي يمكن التحرك مغلقة”، مذكّرا بأن عضوية البلد مجمدة أيضا في الاتحاد الأفريقي، منذ أكتوبر 2021 بعد الانقلاب.

الحرة