رأي ومقالات

تجارة الحرب

رغم اتساع نطاق المناوشات العسكرية، بعيداً عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يكرر المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون التصريحات التي تؤكد عدم الرغبة في توسيع نطاق الحرب في المنطقة. وهذا صحيح إلى حد كبير. فالأمريكيون لا يريدون الانجرار إلى حرب واسعة النطاق حتى لو كانت حكومة بنيامين نتنياهو تريد ذلك.

أما الإيرانيون فيدركون أنه ليس بإمكانهم عسكرياً مواجهة القوة الأمريكية في الخليج والمنطقة، خاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.

تظل سيناريوهات أغلب المحللين وشركات الاستشارات توضح، أن الصراع في المنطقة لن يؤدي إلى حد الحرب الشاملة. لكن ذلك لا يعني أن التصعيد الأمريكي بتشكيل تحالف عسكري في البحر الأحمر لا يستهدف أغراضاً أخرى غير دعم إسرائيل.

ومجرد تذكر ما كسبته الولايات المتحدة منذ بدء حرب أوكرانيا مطلع العام قبل الماضي، ربما يفسر هذا الجهد العسكري النشط في البحر الأحمر، أكثر من مسألة مواجهة التهديد الحوثي، أو حتى حماية التجارة الدولية. صحيح أن هناك أبعاداً استراتيجية للموقف الأمريكي من روسيا في أوروبا، لكن دعم واشنطن لكييف لم يكن بأهمية حشد أوروبا للتخلي عن النفط والغاز الروسي.

وفي العامين الأخيرين أصبحت أمريكا المصدر الأول للنفط والغاز الطبيعي لأوروبا. وزادت صادرات أمريكا من الغاز الطبيعي المسال، وهو أعلى سعراً من الغاز عبر الأنابيب، إلى أوروبا بمقدار الربع العام الماضي. وراكمت شركات الطاقة الأمريكية أرباحاً بعشرات مليارات الدولارات معظمها من المبيعات لأوروبا.

صحيح أن الدول الأوروبية في موقفها من التصعيد الروسي دفعها للتوافق مع الموقف الأمريكي، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن التصعيد الأمريكي له جانب تجاري.. أو لنقل إنها تجارة الحرب.

لكن الأهم، أن عرقلة الملاحة عبر البحر الأحمر تضر بسفن شحن الحاويات، أكثر من ناقلات النفط والغاز. وذلك هو الممر الرئيسي لتجارة أوروبا مع دول آسيا، خاصة الصين. وهكذا، تصيب أمريكا بالتصعيد في البحر الأحمر هدفين: تقليل تجارة أوروبا مع آسيا والتي يمكن أن تعوضها بالتجارة عبر الأطلسي، واستفادة الشركات الأمريكية من ناحية، وأيضاً الضغط على الصين بعرقلة تجارتها مع شركائها في أوروبا.

أصبحت الولايات المتحدة الآن أكبر منتج للنفط في العالم بأكثر من ثلاثة عشر مليون برميل يومياً، وتصدر أكثر من أربعة ملايين يومياً لأوروبا وآسيا. أما صادراتها لآسيا فتمر عبر الأطلسي وسواحل غرب إفريقيا إلى المصافي الآسيوية، ولا تستخدم خط قناة السويس – باب المندب عبر البحر الأحمر. وبالتالي ففي تجارة الحرب هذه لا يقع عليها أي ضرر. إنما الضرر الأكبر هو على أوروبا والصين، أي الشركاء والمنافسين. وواشنطن مستفيدة في كلتا الحالتين.

يدرك الأوروبيون ذلك، وإن لم يكن أمامهم خيار سوى التأييد للجهد الأمريكي، ولو بالتصريحات السياسية. لكن يلاحظ أنه باستثناء هولندا لم تشارك أية دولة أوروبية في تحالف البحر الأحمر العسكري بقيادة أمريكية. طبعاً لا يعتّد كثيراً بموقف بريطانيا التي لم تعد «أوروبية» بعد بريكست فضلاً عن مزايدة لندن دوماً على مواقف واشنطن، سواء ضد روسيا أو غيرها.

أحمد مصطفى – صحيفة الخليج
%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89 0