🔴 قيادة الجيش لم تنجح منذ بداية الحرب إلا في بث الشك وعدم اليقين بأداءها الضعيف وسلوكها المشبوه
مفاوضات المنامة السرية ضمت الأمارات لأول مرة. وتخميني هو أن أمريكا هي من أدخلت الأمارات بغرض إنهاء الحرب باعتبار أن الأخيرة طرف من أطرافها وله أهدافه. ويبدو من تسريبات الصحفي مزمل أبوالقاسم أن المفاوضات مع الجيش تتم عن طريق سياسة العصا والجزرة. العصا هي استمرار تدفق الدعم الأماراتي للمليشيا وغض الطرف الأمريكي مع كف الدعم المصري للجيش (إن لم ينصاع)، بينما تتمثل الجزرة في التعويضات وإعادة الإعمار وما يمكن أن تدفعه الأمارات بالذات كتعويض وكدعم في الوقت نفسه للعساكر ولكن بمقابل سياسي هو عودة الدعم السريع وكيل الأمارات في السودان وكذلك عودة قحت وإقصاء الإسلاميين وتهميش القوى الوطنية الأخرى.
فهذه المفاوضات ليست بين الجيش والدعم السريع إلا في الظاهر، ولكنها في الواقع مفاوضات بين الجيش من جهة والأمارات وأمريكا وبقية القوى الإقليمية وكل جهة وما تريدة في السودان حسب مصالحها ومخاوفها. الدعم السريع هو فعلياً عبارة عن دمية بلا إرادة مستقلة ولا تمثل هذه الدمية إلا مواقف أسيادها وأولياء نعمتها وكذلك القوى المدنية المتحالفة معها. فالتفاوض مع عبدالرحيم دقلو هو تفاوض مع الأمارات، ولكن الأمارات علاوة على ذلك حضرت بنفسها هذه المرة في المنامة. لقد جرى ويجري استخدام الدعم السريع كأداة لضرب الجيش وإخضاعه وبالتبعية إخضاع كل الشعب السوداني. ولا يمكن فهم المفاوضات السرية بمشاركة عدد من الدول الإقليمية وعلى رأسها أمريكا إلا ضمن هذا الإطار. فليس هناك وساطة متجردة لوجه الله. الهدف من التفاوض هو تحقيق أهداف الحرب بالنسبة للدعم السريع وداعميه، وجود الأمارات قد يدل على رغبة الأمارات في لملمة هذه الحرب ربما بضغط أمريكي ولكن ليس بدون مقابل، وكذلك أمريكا لا تعمل كفاعل خير ولا بقية الدول.
قيادة الجيش من جهتها قد تدخل المفاوضات طمعاً في وقف الحرب نعم ولكن بطمع أكبر في الدعم المالي الخارجي، وبالذات الأماراتي. ولقد ورد في التسريبات مطالبة الجيش بتعويض قدره 30 مليار دولار! بالتأكيد لا تملك عائلة دقلو هذا المبلغ والكباشي يريد من الكفيل أن يدفع.
يتصرف قادة الجيش بمفردهم ويقررون بمفردهم وكأن هذه البلد ملك أبوهم، وذلك على الرغم من ضعف قدراتهم وفشلهم البائن، فنحن لم نصل إلى هذه المرحلة الكارثية إلا بسبب هذه القيادة الهشة التي وضعتها ملابسات ثورة ديسمبر العبثية في أعلى هرم السلطة بدون أي مؤهلات تؤهلها لذلك؛ هم مجرد عساكر جيش محدودي القدرات ألقت بهم الأقدار فوق رأس الشعب السوداني. يتصرفون بلا رقيب أو حسيب لا يراجعهم برلمان ولا حكومة ولا يستشيرون أحداً. في الحقيقة نحن في وضع أسوأ من أيام وثيقة كورنثيا اللعينة التي كان فيها وجود ولو شكلي لقوى أخرى تراجع العسكر وتجادلهم في مواقفهم بنوع من الندية، ولكن المضحك أن تلك القوى هي قوى عميلة اختارت أن تمثل أجندة خارجية بدلاً من تمثيل الشارع الذي فوضها. مشكلتنا مع الجيش هو ضعف وفشل قادته وهي تظل مشكلة أقل من من العمالة بأي حال من الأحوال.
رغم كل شيء وقف الشعب السوداني وما يزال يقف مع الجيش بالدرجة الأساسية ومع قيادته الحالية برغم فشلها. فشلها في منع وصول الأمور إلى هذه النقطة منذ سقوط الإنقاذ وتوليها زمام الأمر في البلد وبالتحديد فشلها في التصدي لخطر الدعم السريع حينما كان ينمو ويتمدد وحتى فشلها في الحرب وفي حماية المدنيين وحماية مقدرات البلد وممتلكات الشعب السوداني من التدمير والتخريب. كل ذلك غفره الشعب السوداني ووقف وساند البرهان وأركان سلطته. وحتى حينما شعر الشعب السوداني بهزيمة الجيش في مدني بعد السقوط المهين للفرقة الأولى انتفض ووقف في المقاومة الشعبية المسلحة ودعم الجيش وأعاد له ثقته في نفسه. وما يزال الشعب السوداني يتحمل ويعطي بسخاء.
ولكن قيادة الجيش دائما كانت تواجه هذا التأييد وهذه المساندة بنوع من الخذلان بسبب ضعفها وتدني أداءها ليس إلى ما دون المستوى وحسب، وإنما إلى مستوى الريبة والشك! فقد كُتب على الجيش وعلى الشعب السوداني أن يخوض حربه الوجودية وقلبه في يده من خيانة القيادة. إن مجرد وجود نوع من عدم الثقة في قيادة الجيش هو بحد ذاته هزيمة في الحرب. ويجب أن يكون سببا كافا لتنحية هذه القيادة. لأنها فشلت في تحقيق ثقة الشعب والجيش في لحظة هو أحوج ما يكون فيها إلى الثقة في القيادة؛ بأنها لن تبيعه ولن تخذله ولن تتراجع أبداً قبل تحقيق ما ضحى من أجله المئات من الشهداء ويضحي من أجله كل الشعب بأغلى ما يملك. نحن نخوض حرباً تحت قيادة غير جديرة بالثقة، أثبتت ذلك مراراً وتكراراً، هذه هي الحقيقة. الخوف من البيع منتشر لدى الناس؛ بيع البلد وسيادتها وبيع الشعب السوداني وبيع الشهداء ودماءهم بالدرجة الأولى بتقديرات خاطئة ناجمة عن ضعف متأصل في هذه القيادة وبالدرجة الثانية من أطماع أنانية ضيقة. على الأقل هذا ما اجتهدت قيادة الجيش بإصرار عجيب على ترسيخه بشكل واسع لدى الشعب وحتى لدى جنود الجيش وضباطه.
نحن نثق في جنود وضباط القوات المسلحة ونقدر تضحياتهم ولكن قيادة الجيش لم تنجح منذ بداية الحرب إلا في بث الشك وعدم اليقين بأداءها الضعيف وسلوكها المشبوه.
لابد من وضع حد لإنفراد قيادة الجيش الحالية بالسلطة والقرار السياسي فهي غير مؤهلة وغير مؤتمنة. والشعب السوداني لا يملك أن يثق إلا في إرادته وفي بندقيته، لا في النوايا الطيبة للبرهان وكباشي ولا في قدراتهم. لقد نقلت المقاومة الشعبية المسلحة الشعب السوداني خطوة كبيرة في طريق نيل حرية قراره وسيادته على أرضه. إن سلاح المقاومة الشعبية هو الحل الأمثل أمام تغول قيادة الجيش على إرادة الشعب وكذلك أمام الأطماع والتدخلات الخارجية. ولذلك يجب أن تستمر هذه المقاومة وأن تبلور خطوطاً واضحة فيما يتعلق بكيفية إنهاء هذه الحرب ومصير مليشيا آل دقلو وشروط السلام ووقف الحرب، وكذلك أسس النظام السياسي في البلد ما بعد الحرب. هذا الأمر لا يخص قائد الجيش ونائبه لوحدهم وإنما يخص الشعب السوداني والشعب السوداني وحده من يقرر فيه.
حليم عباس