تحقيقات وتقارير

الناجون من معتقلات “الدعم السريع” الخارج مولود والداخل مفقود

في نهاية أغسطس العام الماضي تم اعتقال أسامة الحسن من حي غزة شمال سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية جنوب الخرطوم حيث يسكن، بواسطة “قوات الدعم السريع”، يقول أسامة المهندس الزراعي (٤٠) عاماً ل( المحقق) :” اعتقلوني بتهمة أني أقاتل مع الجيش، في حين أنهم وجدوني بمنزلي الذي رفضت أن أغادره، لم يجدوا بطرفي أي سلاح ولكن ذلك لم يكن كافياً لمنعهم من تعذيبي ” ، ويروي أسامة أن المجموعة التي ألقت القبض عليه من متمردي قوات الدعم السريع ربطت عينيه بقطعة قماش مزقت من ملابسه وكذلك ربطت يديه ورجليه وألقي على ظهر عربة دفع رباعي مكشوفة من الخلف ( تاتشر) كانت تقف أمام منزله، في بداية الأمر لم يستطع أسامة حينها تحديد الوجهة التي ذُهب بهم إليها ، حيث وجد عدداً من المعتقلين معه في السيارة، ويوضح :” لم نتبادل الحديث في السيارة، بدأنا نتحدث بعد أن تم إدخالنا إلى مبنى من عدة طوابق حيث أوقفونا في صف واحد، وقسموا الصف إلى نصفين بغرفتين كل غرفة فيها ما يقارب الثلاثين شخص وفوراً بدأ التعذيب بالتناوب في غرفة مخصصة للتعذيب. استمر التعذيب لثلاثة أيام لم يتوقف ولا دقيقة واحدة، كل أنواع التعذيب التي لا تخطر على بال أحد مع توجيه إساءات بالغة للمعتقلين، وأخذت هواتفنا ومنعونا من التحدث مع أسرنا “، ويواصل أسامة رواية قصته بأنهم تفاجأوا في اليوم الرابع بأن سمح لهم بالاستحمام وأتوا لهم بزي قوات الدعم السريع وأمروهم بارتدائه وأحضروا لهم ماءً نظيفاً ووجبة جيدة وبعدها أعطوهم أسلحة اكتشفوا لاحقاً أنها بدون ذخيرة ، وأخرجوهم إلى السيارات المقاتلة وحينها اكتشفوا أنهم في حي الرياض شرق مطار الخرطوم، ثم تم توزيعهم على الارتكازات ( نقاط التفتيش) بحيث يعين في وسط المجموعة مقاتل واحد من متمردي قوات الدعم السريع سلاحه أقوى وبكامل عتاده ، ويردف أسامة :” أجبرونا أن نتعامل مع المواطنين الذين عبروا الارتكازات بمنتهى القسوة والقبح ولو لم نفعل ما أمرونا به كانوا سيقتلوننا. فرد الدعم السريع الذي يكون في رفقتنا – يضيف – يقف عادة في مكان بعيد عنا ويراقب المجموعة، يقف بعيداً حتى إذا جاء الطيران الحربي وقصف الإرتكاز يكون هو في مأمن ، وتكون مجموعة الأسرى هي ضحية ضرب الطيران، أصوات الطائرات الحربية كانت ترعبنا نحن الأسرى أكثر منهم ، وإذا فكرت في الهروب هناك قناص على أسطح المباني المحيطة بالمنطقة، قتل أمام أعيننا أثنين من المجموعة حاولوا الهرب على حين غفلة” . هربت في يوم ٢٣ سبتمبر وعدد من الأسرى بغرفتي في صباح باكر يبدو أنهم غادروا إلى مكان ما فلم نجد أحداً بالمبنى ولم يأتِ أحدٌ لأخذنا للارتكازات، على حد قوله.

ويضيف أسامة:” بعد مرور عدة أشهر من حادثة اعتقالي وتعذيبي لا أشعر أني بخير، أواجه صعوبة في النوم، التعذيب الذي تعرضت له خلّف جروحاً في نفسي لن تُشفى “.
وكانت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري قد أعلنت عن اختفاء عدد (٦٦٦) رجلاً في عدة مدن سودانية كان للمختفين من ولاية الخرطوم النسبة الأكبر بواقع اختفاء (٦٥٦) رجلاً منها خلال الفترة ما بين ١٥ أبريل وحتى ١٥ اكتوبر ٢٠٢٣ حيث فتحت المجموعة بمساعدة قانونيين عدد ( ٤٤٦ ) بلاغ اختفاء بنيابة ود مدني بولاية الجزيرة ، وقالت المجموعة في تقريرها الذي نشر نهاية العام الماضي وحصلت “المحقق” على نسخة منه إن التقرير الذي أطلق عليه عنوان ( مثلث برمودا) رصد سلسلة الانتهاكات كالخطف والاحتجاز والاختفاء القسري دون أن تعلم أسر المختطفين مكان الاحتجاز ولم يسمح لهم بالاتصال بأسرهم ولم تعلن أي جهة من طرفي الصراع مسؤوليتها عن اختفائهم، وكانت المجموعة قد تلقت شكوى من سيدة تفيد باقتياد مجموعة ترتدي زي قوات الدعم السريع – على حد تعبير البيان – لابن عمها من أمام منزله بالخرطوم إلى جهة غير معلومة منذ ١٥ أغسطس ولم يعرف مكانه حتى تاريخ نشر التقرير .

أما الطالب بالسنة الأخيرة بكلية الطب معتز عدلان يروي التفاصيل الدقيقة لتعذيبه من قبل “قوات الدعم السريع” التي ألقت القبض عليه يوم ٢٥ ديسمبر الماضي بعد أن أنزلته من حافلة المواصلات التي كان يستغلها بمحطة صابرين بأم درمان اشتباها بأنه “مستنفر” يقول عدلان :” تم صعقي بالكهرباء، تم ربطنا بمراوح الهواء من العنق ودفع أجسادنا المعلقة، خلعوا عنا غطاء أعيننا لكي نرى كيف يعذبون الآخرين، تم ضربي ضرباً مبرحاً بكل أجزاء جسدي ورأسي، كنت أفقد الوعي أحياناً كثيرة ولساعات طويلة، إذا كنت اعترفت لهم أني أعمل مع الاستخبارات أو مستنفر لكانوا أوقفوا تعذيبهم لي ، سؤالهم الذي لم أسمع غيره : أنت أبولده (ضابط أو عسكري بالجيش ) أم مستنفر؟، قضيت ثمانية أيام بمكان حيث ربطوا عيني و يدي في مكان لا تطل عليه الشمس فقط تسمع صوت المتخصص في تعذيبك، وثمانية أيام أخرى قضيتها في مكان آخر نقلنا إليه، وبقية الأيام لم أحصيها كنت قد بدأت أفقد قواي و أهذي بكلام غير مفهوم، لم أكن واثقاً من أني سأعيش لأروي قصتي ؟”. يقول عدلان إنه لم يكن يسمح لهم بالاستحمام أو بالذهاب إلى دورات المياه، ووضعت لهم مياه الشرب في وعاء كبير مسطح ( طشت غسيل) قديم تحيط القذارة بكل حوافه أما أن نستخدم أيدينا لحمل الماء إلى أفواهنا، وكنا نستصعب الأمر من شدة التعذيب، أو نشرب من الوعاء مباشرة بأفواهنا، رأيت شباباً كثيرين لا علاقة لهم بالجيش أو المستنفرين اعترفوا أنهم مستنفرين ليوقفوا عنهم التعذيب، وبالفعل يتوقفوا عن تعذيبهم ويسمحون لهم بالاستحمام ومكالمة أسرهم ويذهبون بهم إلى مبنى الاستخبارات إلا أنهم رغم التعهد بإطلاق سراحهم لكنهم ما زالوا رهن الاعتقال، ويشير عدلان إلى أنه قابل أثنين من دفعته في الكلية وآخر من الدفعة التي أمامهم وهو طبيب الآن اعترف بأنه مستنفر حيث لم يتحمل التعذيب وذُهب به إلى رئاسة الاستخبارات التابعة لمتمردي قوات الدعم السريع، ويعتقد عدلان أن المقرات التي اعتقل فيها كانت في السابق تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني استولى عليها الدعم السريع. وبعد ثلاثة أسابيع أمر قائد مقر التعذيب أن يلقى بعدلان خارجه قائلاً لجنوده :” ألقوه بعيداً، إذا بقي هنا سيموت ويتعفن “. عدلان رغم أنه غادر المعتقل منذ حوالي الأسبوع إلا أن قدماه ما زالتا متورمتين ويعاني من آلام في الصدر والرقبة ، و لا يدري كيف يمكنه أن يجلس لامتحاناته النهائية التي أعلن عن بدايتها في الأسبوع الثاني من فبراير المقبل.

ويجرم القانون الوطني السوداني الاختطاف في المادة (١٦٢) والحجز غير المشروع في المادة (١٦٤) والاعتقال غير المشروع في المادة (١٦٥) والجرائم ضد الإنسانية المادة (١٨٦) الفقرة (ن) من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١م .
فيما عَرّفت الاتفاقية الدولية للأشخاص المختفين قسرياً والتي اعتمدتها في 23 ديسمبر 2010 الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 ، عرفت بأنه يقصد ب‍ ”الاختفاء القسري“ الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون، ونصت المادة (١) من الاتفاقية بأنه لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري.

ونصت المادة (٢) بأنه لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري. وتشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية وفقاً للمادة (٥) من الاتفاقية جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون. كما نصت اتفاقية مناهضة التعذيب
في المادة (٢) البند (٢) بأنه لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلى أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب.

ونص البند (٣) بأنه لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب. وكذلك نص ميثاق روما الأساسي لسنة ٢٠٠٢ في مواده (٦,٧,٨) .
وفي الكلاكلة القبة داهمت مجموعة من متمردي قوات الدعم السريع منزل الحاج سيد حسن ، وألقت القبض على أربعة من أبنائه بحجة أن اشقاءهم ضباط بالجيش السوداني ، لم يسمح لهم بارتداء ملابسهم وربطت أعينهم وأيديهم وأرجلهم وألقوا على ظهر عربة وهم يضربونهم بمؤخرة السلاح على ظهورهم ويوجهون لهم الإساءات، يتولى الشقيق الأصغر أزهري رواية قصتهم ل( المحقق) ويقول:” بعد أن حملونا على ظهر العربة بدأوا في تصويرنا وهم يهتفون بهسيتريا : قبضنا أبولده أب قاش، العربة جابت سوق اللفة بأكمله وهم يهتفون ويصوروننا، في النهاية ذهب بنا إلى قسم شرطة أبو آدم جنوب الخرطوم لمقابلة المستشار تبعهم ورغم أنه اقتنع بما قلناه إلا أنهم لم يأبهوا بتوجيهاته بإطلاق سراحنا فوراً ، و ألقوا بنا خلف القضبان حيث وجدنا أعداداً كبيرة من الشباب ورجال كبار في السن صعقوا بالكهرباء، ووضع في ركن الزنزانة جوال يفيض بكل أنواع الحبوب المخدرة فقط عليك أن تختار لتسكن الآمك بعد الضرب المبرح الذي تعرضنا له وعدم السماح لنا بالذهاب إلى دورات المياه أو التحدث مع أهلنا “.

وكانت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري قد أشارت في تقريرها إلى أن معظم أقسام الشرطة والنيابة والمحاكم تحولت إلى ثكنات عسكرية حيث أفاد لهم أحد الضحايا بأنه كان محتجزاً بحراسة قسم الشرطة الكائن بمنطقة الفتيحاب دون علم ذويه مما دفع بأسرته إلى اللجوء إلى وسائل التواصل الإجتماعي وتم الإفراج عنه بعد شهر ونصف .

المحقق : نعمة النيل