رأي ومقالات

النفايات التقنية.. الجرد السنوي

بدايات الأعوام دائما ما تكون مغرية ليس فقط للشروع بجديد، بل للتخلص من غير المفيد أيضا. في جولة سريعة للأجهزة المنزلية يكاد لا يخلو منزل من ذلك الجوال القديم المغلق او الآيباد المكسور والمغطى بلاصق، وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن هذا النفايات الكهربائية والالكترونية تعد الأسرع نموا في النفايات المنزلية حول العالم بل ان زيادتها تفوق زيادة سكان العالم بثلاث مرات، بحسب إفادة المنتدى الدولي للنفايات فإن أكثر من خمسة مليارات هاتف محمول سيذهب الى مكبات النفايات في عام 2022، فما الرقم اليوم؟ على المستوى المحلي فإن ذات العام شهد مبادرة وطنية رائعة كانت تحت شعار “دور جهازك” بالتعاون بين موان (المركز الوطني لإدارة النفايات) وهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ونتج عنها التبرع بأكثر من مئة الف جهاز وكانت تهدف ليس لتقليل الهدر المالي فقط، بل للحد أيضا من الانبعاثات الكربونية والمخلفات الضارة.

المحزن ان معظم هذه المبادرات تنجح نجاحا مدويا في وقتها ثم تنتهي كالفقاعة، ويعود الناس لممارستهم القديمة، بل تصفحت حساب (موان) في الانترنت والمنصات ولم أجد أي استمرارية في نشر الوعي حيث تستطيع ان تشاهد السلوكيات الضارة في التخلص من النفايات لا تزال مستمرة والأهم ان (رحلة العميل) معقدة في هذا الجانب، لأنك تضطر ان تتواصل مع أكثر من جهة للتخلص من جهاز او جمعية ونحوها، بالمقابل ماذا لو تم تخصيص حاويات للنفايات الرقمية في كل حي؟ او مركز مباشر يتجه اليه الناس. المسألة مبهمة وتحتاج إعادة تقييم. وقبل ان نحاسب الفرد على تفضيله للحل الاسهل علينا مساءلة الجهات المناط بها بالفعل هذه القضايا البيئية الخطرة والتي لا تحتمل تأجيل وتكهنات، بل من المخجل ان نكون في عام 2024 دون ان يعرف الناس مصير أجهزتهم التالفة، بل خطورتها عليهم داخل منازلهم.

بل تستمر الممارسات الضارة وتجد ان الناس قد يتخلصون منها اما بالرمي في الأرض او الماء او حرقها وتكسيرها ويذهب البعض لتفكيكها يدويا او سكب مواد مذيبة والمخيف ان هذا السلوك العشوائي قد يتسبب في انبعاث الآلاف من المواد السامة والمضرة، ويعتقد البعض ان ضرر هذا الجهاز يقف عند هذا الحد، بل وجدت المنظمات الإنسانية ان الفقراء والأطفال هم ضحايا هذا القطاع حيث تعمل اكثر من 12 مليون امرأة في تدوير هذه النفايات واستخدام الأطفال، ولك ان تتخيل ما الذي يحدث في صحتهم، اذا هذه الأجهزة التي في أيدينا هي بالفعل ليست مجرد قنابل موقوته بل أسلحة فتاكة ان لم يتم التخلص منها بالشكل النظامي السليم، وأجد ان الاتكاء على فكرة التبرعات للجمعيات الخيرية هو حلول مسكنة بل غير مقنعة للعقلانيين لأن ليس الجميع يريد ان يبرع ببساطة، يجب ان تكون هناك تصورات واضحة ليفهم الناس مصائر مخلفاتهم التقنية ومن يقوم بتفكيكها وإعادة الاستفادة منها.

أخيرا، لعلها فرصة جيدة أيضا لتذكيركم بتغيير كلمات المرور وتقليص حجم التفاعل العشوائي عبر المنصات، فالنفايات التقنية لا تقف عند الجانب المادي فقط، بل تمتد للجانب المعنوي وقد شاهدنا كيف بمنشورات كتبت قبل عشرات السنين ولم يتم حذفها أوقعت أصحابها خلف القضبان، وباتوا سجيني ماضيهم وأرشيفهم الساذج، ولا يعيب الانسان ان يخطئ ويتراجع لكن يعيبه ألا يتطور ولا يفهم ولا يتعظ ممن حوله، بل تجده ينعم بالجهل ويتمادى في غيّه.. هذه هي الحياة لا تدور جهازك فقط لكن دور وعيك ودور فهمك وواجه مخاوفك وتخلص من كل ما يمس وطنك ومجتمعك بسوء.. دمتم بسلام.

د. اريج الجهني – جريدة الرياض
3129279413