«ذهب» مصر.. و«الفجوة» المالية
منذ نحو 80 عاماً، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبموجب اتفاقية «بريتون وودز»، أُنشِئ صندوق النقد الدولي الذي يضم حالياً 189 بلداً عضواً، وهو يسعى إلى بناء نظام اقتصادي دولي أكثر استقراراً، وإلى منع وقوع الأزمات، عن طريق تشجيع البلدان الأعضاء على اعتماد سياسات اقتصادية سليمة تتيح لها الاستفادة من موارده المالية لمعالجة مشكلاتها جراء تراكم الديون وعجز ميزان المدفوعات. ويؤكد الصندوق ضرورة استرجاع أمواله شرطاً أساسياً لموافقته على طلبات إقراض الدول المحتاجة، وهو أمر مرتبط بمسار فيه الكثير من التعقيدات البيروقراطية والتقنية، وصولاً إلى القرارات السياسية التي يتخذها المجلس التنفيذي بإجماع أصوات الدول الأعضاء (85%).
ونتيجةً لتفاقم العجز «المزدوج» والمزمن في الموازنة العامة والميزان التجاري، تضطر معظم الدول المدينة إلى مزيد من الاقتراض بالعملات الأجنبية، وبفوائد عالية نتيجة تصنيفها الائتماني السلبي. وبذا يكون الهدف من القروض الجديدة هو سداد قروض مستحقة، وليس لأغراض التنمية، ما يجعل هذه الدول المقترضة تواجه مخاطر «استدامة الاستدانة».
ومضى الآن أكثر من سنة على تجميد قرار صندوق النقد الدولي منح مصر قرضاً بقيمة 3 مليارات دولار، لعدم جاهزيتها لتنفيذ شروطه، خاصة «التعويم التدريجي» لسعر صرف الجنيه المصري.
مع العلم أن المبالغ المستحقة عليها، والمطلوب تسديدها للصندوق قبل يونيو المقبل تبلغ 6.7 مليار دولار(نحو 5.4 مليار دولار أصل الدَّين، والباقي فوائد الدَّين نفسه). ولذا يتوقع أن يرتفع القرض المطلوب إلى نحو 10 مليارات دولار، إضافة إلى ضمانات أميركية للحصول على مزيد من القروض من مصادر التمويل الدولية والأسواق المالية، بإصدار سندات سيادية.
ووفق تقرير معهد التمويل الدولي، تبلغ «الفجوة» التمويلية التي تواجه مصر خلال السنة المالية 2023-2024 نحو 7 مليارات دولار، لكن بنك «غولدمان ساكس» أشار إلى فجوة تراكمية تبلغ 11 مليار دولار على مدى خمس سنوات، فيما تشير البيانات الرسمية إلى أن الحكومة المصرية تواجه سداد التزامات وأقساط ديون خارجية تقدر بنحو 42.3 مليار دولار خلال العام الحالي، لكن كيف تواجه «الفجوة» المالية المرتقبة، مع تراجع عائدات السياحة وإيرادات قناة السويس، في ظل تداعيات ما يحدث في البحر الأحمر؟
في العام الماضي، احتلت مصر المرتبةَ الأولى على لائحة البنك الدولي لتحويلات المغتربين، وقد بلغت تحويلات المصريين نحو 25 مليار دولار، واتجه معظمهم إلى شراء كميات من الذهب في الخارج وإدخالها إلى بلدهم، لا سيما أن مجلس الوزراء وافق مؤخراً على مد العمل بقرار منح إعفاء جمركي لواردات الذهب لمدة ستة أشهر، تنتهي في 10 مايو المقبل.
وحرصاً على استثمار «حركة الذهب»، أطلقت الحكومة صناديق الاستثمار في المعادن، ومنها صندوق متخصص لاستثمار الذهب، بما يضمن الحفاظ على ممتلكات المستثمرين من السرقة أو التلف. ولاستغلال خام الذهب، وقّع وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا عقدين: الأول مع الشركة الكندية «آتون مايننغ»، والثاني مع الشركة البريطانية «AKH GOLD»، لاكتشاف كميات تجارية في الصحراء الشرقية. وفي الوقت نفسه أعلنت الشركة الأسترالية «سنتامين» أنها تستهدف إنتاج 500 ألف أوقية من الذهب في مصر خلال العام الحالي.
عدنان كريمة – كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية
جريدة الاتحاد