رأي ومقالات

نتنياهو.. بداية النهاية

أخيرا، ثاب رئيس وزراء العدو الصهيوني، بنيامين نتنياهو، إلى رشده بعد أن تأكّد من استحالة تحقيق جل أهدافه التي وضعها منذ بداية حرب غزة إلى حدّ الساعة، فتنازل عنها واكتفى بهدف وحيد وهو قتل قادة “حماس”.

منذ أربعة أشهر كاملة، ونتنياهو يردّد يوميا تقريبا، بكل عجرفة وغرور، أنّه لن يوقف الحرب إلا بتحقيق أهدافه جميعا: القضاء على “حماس”، وقتل كبار قادتها، وتحرير الأسرى الصهاينة بالقوة، وإعادة احتلال القطاع، فضلا عن الهدف غير المعلن وهو تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية كخطوة أولى نحو تصفية القضية الفلسطينية برمتها.

وبمرور الأيام، اتضح من خلال سير المعارك بغزة، أنّ أهداف نتنياهو غير قابلة للتحقيق ولو دامت الحرب أربع سنوات وليس فقط أربعة أشهر؛ فالمقاومة الفلسطينية حضّرت نفسها جيّدا لمثل هذه الحرب الضروس من خلال بناء شبكة أنفاق ضخمة ومتشابكة هي أفضل ما بنته أيّ حركة تحرّر في العالم إلى اليوم، ومنها تنطلق الصواريخ لدكّ مدن الاحتلال ومستوطناته، ومنها يخرج مقاتلوها لتدمير دبابات العدوّ وآلياته العسكرية ونصب كمائن لجنوده قبل أن يعودوا إليها، وفي جوفها يخفى عشرات الأسرى الصهاينة، وتدير قيادة “حماس” الميدانية المعارك اليومية باقتدار.. وإزاء تراكم خسائر العدو كل يوم -وإن حاول التكتّم عليها- تصاعدت الضغوط الداخلية والخارجية على نتنياهو لإيقاف الحرب والتفاوض على صفقة لتبادل الأسرى، وتوالت تصريحات قادة الاحتلال السياسيين والأمنيين، السابقين وحتى الحاليين، التي تؤكّد استحالة تحقيق أيّ هدف من أهداف الحرب، بل إنّ بعضهم أكّد بوضوح أنّ الكيان خسر حربه ضد “حماس”، لكنّ نتنياهو يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة خوفا من أن يؤدّي إيقاف الحرب إلى فتح تحقيق في هذه الهزيمة التاريخية المدوّية، ومن ثمّ، دخوله السجن بتهم فساد سابقة كما حدث لرئيس الوزراء الأسبق أولمرت عقب هزيمته في حرب تموز 2006 أمام “حزب الله”.

وبرغم رفضه إيقاف الحرب، إلا أنّ نتنياهو بدأ يدرك اليوم، وبعد مرور أربعة أشهر كاملة من المعارك، أنّه يسير في طريق مسدود، وأنّ جل أهدافه التي وضعها يوم 7 أكتوبر وبقي مصرّا عليها، لن تتحقق مهما طال أمد الحرب، فهو لم يستطع تحرير أسير واحد بالقوة، و”حماس” بعيدة عن الانهيار باعتراف قادة الاحتلال أنفسهم، وفي مقدّمتهم قادة عسكريون وأمنيون، وهي ما زالت قويّة وتخوض المعارك في شتى أنحاء غزة، برغم القصف الوحشي للقطاع بعشرات الآلاف من القنابل والصواريخ وتدمير عشرات آلاف البيوت، بل إنّ “حماس” عادت حتى إلى شمال غزة التي يزعم الاحتلال أنّه خضع له، والخسائر المادية والبشرية تتعاظم يوميا في صفوف قوات الاحتلال حتى بات هناك جنود يهربون من الخدمة أو يحتفلون بصخب حينما تسحب ألويتهم من القطاع.. لذلك كله، تخلّى نتنياهو أخيرا عن معظم أهدافه، ووفق الموقع الإلكتروني لـ”هآرتس”، فقد قال في اجتماع لنواب حزبه في الكنيست: “يجب علينا قتل قيادة “حماس”.. لا يمكن أن تنتهي الحرب قبل حدوث ذلك، والوصول إلى هذا الهدف سيستغرق أشهرا وليس سنوات”.

لا ندري كيف يمكن أن يصل جيش الاحتلال إلى يحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى وأبي عبيدة وبقية القادة الميدانيين لـ”حماس” في أعماق الأنفاق المحصّنة، وهو الذي عجز عن ذلك طيلة أربعة أشهر كاملة، ولكنّ لنفترض جدلا أنّ العدو قد تمكّن منهم يوما ونالوا الشهادة، وهي أغلى أمانيهم، فما الذي سيتغيّر ميدانيّا؟ هل يعتقد الاحتلال أنّ ذلك كفيل بإضعاف “حماس”؟ هل ضعفت الحركة حينما اغتال الاحتلال شيخها المؤسّس أحمد ياسين والرنتيسي وقادة آخرين، أم لم يزدها ذلك إلا قوة وشموخا بعد أن خلفهما السنوار والضيف وعيسى وهنية ومشعل والعاروري وقادة آخرون كثيرون؟ هل تراجعت الثورة الجزائرية حينما تمكّنت فرنسا من اغتيال بعض كبار قادتها كبن بولعيد وديدوش وبن مهيدي وعميروش وغيرهم؟

نتنياهو يبحث عن أيّ صورة انتصار؛ فبعد أن تأكّد من استحالة تحرير أسراه بالقوة والقضاء على “حماس” والسيطرة عسكريا على غزة، ها هو يكتفي بهدف وحيد وهو قتل كبار قادة “حماس” ليتخذها ذريعة لوقف حربه الخاسرة والحفاظ على ماء وجهه، وقد لا يتمكّن حتى من تحقيق هذا الهدف الوحيد في نهاية المطاف، ويرغم على إنهاء الحرب والرضوخ لشروط المقاومة وتبييض سجون الكيان من الأسرى الفلسطينيين، وبعدها يسقط حتما وتنتهي مسيرته السياسية ويسجن سنوات يتجرّع خلالها مرارة هزيمته التاريخية.

حسين لقرع – الشروق الجزائرية
hocine 969896517