تجويع وليس جوعًا
لا يُحرك جوع الجائعين فى قطاع غزة ضمير أىٍ منهم. لا يأبهون لتحذيرات منظماتٍ دولية من مجاعةٍ بدأت فعلاً. على العكس يشاركُ بعضهم فى تجويع أهل غزة عبر دعم حملةٍ جُهنمية ضد الأونروا. لا تقل جوعًا فى غزة، والحالُ هكذا, بل تجويعُ مُمنهجُ، لجأ إليه تحالفُ الإرهاب الغربى ــ الصهيونى، سعيًا إلى تأليب الجائعين على المقاومة. ويبدو أن أكثرهم يفعلون ذلك بوصفه أمرًا مألوفًا لهم. فهم لا يشعرون بآلام الجائعين فى أى مكانٍ فى العالم. وأنَّى لكائناتٍ مجبولةٍ على الشر أن تُحس أو تشعر. وليس هذا ذمًا، بل وصف لما تفعله حكوماتُ دولهم الحالية وسابقاتُها طول الوقت، من خلال آليات النظام الرأسمالى العالمى المسئول عن جرائم هائلة. فالتفاوت الاجتماعى المتزايد يؤدى إلى ازدياد الفقر فى العالم.
دعك من الشعاراتٍ الأمميةٍ المُنمقة، مثل محاربة الفقر والقضاء على الجوع، وغيرهما مما يُسَوق فى إطار ما تُسمى تنميةُ مستدامة. يعرف الشرفاءُ فى بلدانهم, ويقولُ بعضهم إن الإنتاج الغذائى فى العالم اليوم يكفى لإطعام أكثر من 10 مليارات شخص بسهولة, أى أكثر من كل سكان الكوكب. ومن أبرزهم جان زيجلر الذى عمل مقررًا أمميًا خاصًا للحق فى الغذاء بين 2000 و2008. وهو مفكرُ سويسرى نابه، إلى جانب كونه موظفًا دوليًا. زيجلر ليس ناقدًا للرأسمالية فقط، بل هو من أثبت فى دراساتٍ رصينةٍ مسئوليتها عن الجوع الذى ينهشُ أعدادًا كبيرةً من البشر فى العالم، ويؤدى إلى موت عدة آلاف من الأطفال الصغار كل يوم، وليس كل شهر أو كل عام، فى الوقت الذى يسهلُ إطعام البشر والكائنات الحية الأخرى، وفوقهم مليارا شخص على الأقل. وعندما نطالعُ أعمال زيجلر فى هذا المجال نتأكدُ أن وحوش الغابة أكثر «إنسانية» من حكومات تحالف الإرهاب الغربى ــ الصهيونى، أو ما يُسميها هو إمبراطورية العار الرأسمالية وأتباعها. ومن أهمها كتابُه البديع المُبسَّط الجوع فى العالم كما شرحتُه لابنى الصادر عام 2017. ومع ذلك تنفرد غزة بأن الجوع، أو بالأحرى التجويع، يُستخدمُ سلاحًا ضد أهلها بعد فشل أسلحة الدمار والإبادة الأمريكية فى تركيعهم.
د. وحيد عبدالمجيد – بوابة الأهرام