هذه روايتنا: لماذا طوفان الأقصى؟
صاحب الطوفان الذي أثاره صناديد كتائب عز الدين القسام منذ السابع من أكتوبر الماضي ضد العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، مشاهد حية تصف النضال الصادق وتفضح دموية الاحتلال، حتى حان الوقت لسرد رواية هذا الطوفان ككلمة حق في وجه السطوة العالمية الجائرة! ففي الحادي والعشرين من يناير، نشر المكتب الإعلامي لحركة المقاومة الإسلامية حماس بياناً رسمياً يضع فيه نقاطا ضخمة على حروف سيكتبها التاريخ، عن حقيقة ما جرى، وأسبابه، وسياقه المتصل بالقضية الفلسطينية، مع دحض الادعاءات الصهيونية. وهو يهديه إلى أهل فلسطين المرابطين، والشعبين العربي والإسلامي، وإلى أحرار العالم أينما كانوا.
يرتكز بيان (هذه روايتنا: لماذا طوفان الأقصى؟) على خمسة محاور. ففي الأول (لماذا معركة طوفان الأقصى؟) يروي أسباباً أولها تاريخي يعود إلى 105 أعوام من احتلال فلسطين، كان للاستعمار البريطاني نصيب من 30 عاما، بينما جاء 75 عاما من نصيب الاحتلال الصهيوني، إضافة إلى تهجير 57% من أهلها والاستيلاء على 77% من أراضيهم، مع ارتكاب مجازر وتدمير للقرى تمهيداً للاستيطان الصهيوني عام 1948. وتأتي المنهجية في ممارسة القهر ومصادرة حقوق سكان القطاع كسبب آخر للطوفان، فضلاً عن سياسة الفصل العنصري وتحويل غزة إلى «أكبر سجن مفتوح في العالم». أما استمرار العدوان الهمجي على المدنيين مقابل التجاهل الأمريكي وحلفائه، فضلاً عن توفير الغطاء اللازم لحماية الكيان المحتل، فهو سبب مضاف، يُضاف إليه التعجرف الإسرائيلي ضد التقارير الدولية التي توثّق انتهاكاته، و»تدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية» عن طريق مضاعفة الاستيطان على الأراضي الفلسطينية خلافاً لمسار التسوية السلمية في اتفاقية أوسلو. لذا، يثور طوفان الأقصى لسد خطط تهويد المقدسات والاستيطان في الضفة الغربية وفرض السيادة على القدس، ولإطلاق سراح الأسرى القابعين في سجون الاحتلال، وللمبادرة في تحقيق أمل 7 ملايين فلسطيني في العودة.
ثم ينتقل البيان للمحور الثاني (أحداث 7 أكتوبر والرد على ادعاءات وأكاذيب الاحتلال) ليؤكد على أن عمليات طوفان الأقصى منذ البدء لم تستهدف سوى المواقع العسكرية الإسرائيلية، بهدف أسر الجنود كخطة للمقايضة وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وقد تم ذلك بالفعل خلال الهدنة الإنسانية. وقد حرص مقاتلو القسام على عدم استهداف المدنيين الإسرائيليين، وذلك كمبدأ لا تحيد عنه حماس منذ تأسيسها عام 1987، مع التأكيد على انتفاء القصد في حال تم ذلك. وقد قصد البيان التذكير بمذبحة الحرم الابراهيمي حيث أطلقت حماس حينها «مبادرة تقضي بأن يتم تجنيب المدنيين ويلات القتال من قبل كل الأطراف»، والتي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط. أما ما روجه الإعلام الإسرائيلي من استهداف حماس للمدنيين مع بث بعض المشاهد، فقد أكد البيان مقتلهم بسلاح الجيش الإسرائيلي نتيجة ارتباكه ورعونته بل ولمهانة الشعب الإسرائيلي لديه مقابل تحقيق أهدافه، وهو الأمر الذي أكدته صحيفتا (هآآرت ويديعوت أحرونوت) فيما بعد. كما أن عدد القتلى من الجانب الإسرائيلي لا بد أن يأتي مضاعفاً ما دام يؤمن بفكرة «الشعب المسلح» ويسلح رعاياه في سن الثامنة عشرة، وهو ما جعله «جيش له دولة» لا «دولة لها جيش». ينتقل البيان بعد ذلك إلى المحور الثالث (نحو تحقيق دولي نزيه)، ليؤكد أنه رغم انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن التعنت الإسرائيلي -يسانده الانحياز الدولي- يرفض مطالبات التحقيق في جرائمه. لذا يدعو البيان الدول العظمى -أمريكا وبريطانيا وكندا- إعلان دعم مسار التحقيق في المحكمة، ويدعو فريق التحقيق لزيارة فلسطين المحتلة عاجلاً لمعاينة تلك الجرائم. والبيان إذ يستحضر الأمثلة التاريخية في النضال ضد الاستعمار والفصل العنصري، يؤكد أنه «بمقدار ما كان هناك اضطهاد من قبل المحتل، فإن ذلك كان يستجلب رداً ومقاومة أكثر قوة من قبل الشعب الخاضع للاحتلال، وإن استمرار هذا الاحتلال يمثل تهديداً لأمن العالم واستقراره». أما في المحور الرابع (تذكير للعالم من هي حماس)، فيذكّر البيان بأن حماس «حركة تحرر وطني ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، تنبذ التطرف وتؤمن بقيم الحق والعدل والحرية».
وهي إذ تؤمن بالحرية الدينية، تؤكد على أن صراعها مع الكيان المحتل لم يكن يوماً قائماً على اضطهاد اليهود أو اليهودية، بل إن التاريخ يشهد على رفض الفلسطينيين للجرائم النازية ضده. كما أن حماس كحركة مقاومة مشروعة الأهداف، فهي «تستمد شرعيتها في مقاومة الاحتلال ومن حق شعبها الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، وفي السعي للتحرر وتقرير المصير، وإنهاء الاحتلال والعودة إلى وطنه». ينتهي البيان بالمحور الخامس (ما هو المطلوب؟) ليطالب بالوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة، ثم معاقبة إسرائيل دولياً وتكبيدها خسائر الحرب، ومطالبة القوى العظمى بالكف عن توفير الغطاء السياسي للكيان باعتباره «دولة فوق القانون»، مع تفعيل دعم العالم الحر للقضية الفلسطينية، ومواصلة النضال عربياً وإسلامياً وعالمياً حتى إنهاء الاحتلال بشكل تام.
ولعل أصدق ختام لهذا البيان، الدعاء لمد طوفان الأقصى بالاستمرار في الاندفاع، حتى لا يذر على أرض فلسطين من الصهاينة ديّارا.
مها الغيث – الشرق القطرية