صديق رمضان: بطعم الحلو مُر.. قصة رحلة مع بدر للطيران
جُملة من التناقضات حفلت بها رحلتي على بدر للطيران يوم الجمعة، بين الحُزن والفرح جرت التفاصيل تحمل بين ثناياها إنعكاسات الأوضاع في البلاد التي دخلت في اتون حرب قاسية ومؤلمة وقعها مثل العلقم وربما أشد من ذلك.
وانا الذي نشأت وترعرت في الجزيرة الخضراء أعرف جيداً مدى ارتباط أهلها بأرض اجدادهم واعي عشقهم لها، وهو الذي كان قبل سنوات يتبدي جلياً حينما تفرض الظروف على أحدهم السفر إلى العاصمة الخرطوم، كان يقضي ساعاته ويعود ادراجه سريعا حيث الأهل والأحباب.. الأرض والماء،الناس والهواء كان السفر للخارج حصريا على الشباب أما كبار السن يقصدون فقط الأراضي المُقدسة، استمرت هكذا علاقة إنسان الجزيرة بارضه التي يتنفسها هواءاً عليلاً يمنحه اكسير الحياة.
ولكن.. الواقع لم يعد كما كان، فالجزيرة اليوم تشهد هجرة غير مسبوقة فقد قالت الحرب كلمتها وفرضت عليهم طرق أبواب الهروب خارج البلاد فرادا وجماعات، وفي رحلة بدر إلى جدة يوم الجمعة كان 90٪ من المسافرين كبارا وصغارا رجالا ونساءا من الجزيرة، جلسنا في صالة المغادرة بمطار بورتسودان نبكي على أطلال قلب السودان الذي لم يعد ينبض كما كان، كل واحد منهم وجميعهم في العقد السادس من أعمارهم كان يسرد بوجع وألم ماشهدته الولاية مؤخراً، لذا كانت الهجرة خيارهم وفي القلب حسرة وفي العين دمعة.
وذات الذي اعتري أهل الجزيرة يبدو واضحاً على مطار بورتسودان، هنا نخلع القبعات احتراما لمنسوبيه، يؤدون فوق طاقتهم، نعم ثمة تغييرات حدثت خاصة على صعيد الساحة الخارجية التي ازدادت جمالا واخضرارا، وأيضاً إجراءات التفتيش والسلامة حاضرة باكثرة من أربعة محطات إلكترونية ويدوية، لا مكان للتهاون والمجاملة، الصرامة حاضرة والمهنية عنوان بارز، ورغم ذلك مايزال المطار يعتمد على صالة واحدة كانت سببا لأن ننتظر طويلا ريثما يغادرها ركاب رحلة المصرية فهي لاتتسع لركاب رحلتين في وقت واحد، لانعرف إلى متى تتفرج الحكومة الإتحادية على مطار دولي توجد به صالة مغادرة واحدة كانت يوم الجمعة في أعلى درجات حرارتها بسبب توقف التكييف، بصفة عامة مطار بورتسودان على الصعيد البشري جيد جدا اما على صعيد البني التحتية مايزال فقيرا.
اما بدر للطيران فهي مع سودانير وتاركو ورغم سهام نقدنا حول إرتفاع قيمة التذاكر ووسم ذلك بالجشع إلا أن الشركات الثلاث مثل الضوء في العتمة، فقد قاومت رياح الحرب ولم ترفع الراية البيضاء رغم الخسائر التي تكبدتها في مطار الخرطوم ،هو صمود في زمن الانكسار.
فيما يتعلق بالرحلة فقد وضح أن بدر منضبطه في زمنها إلى أقصى مدى وأنها تمضي بخطي متسارعة في طريق الشركات الكبرى التي لاتترك شئ للصدفة فكلٌ لديه حساب وفقاً لمؤسسية صارمة، فعند السادسة والنصف صباحا بدأت الإجراءات وقد انسابت بكل سلاسة لوجود أكثر من ثماني موظفات وموظفين في الكاونترات تسبق ابتسامتهم عملهم، وعند التاسعة والنصف صباحا اقلع الكابتن إدريس البدري بجانبه مساعده كابتن مصعب وخلال 30 دقيقة هبطت الطائرة بمطار الملك عبدالعزيز بجدة، وبذات الإيقاع الاحترافي والسريع كان طاقم الضيافة يؤدي عمله بقيادة إبراهيم هاشم،سهام عبدالجليل،نازك نصر الدين،و مصطفى عادل.
لنصل إلى جدة ويتوجه 95٪ من ركاب الرحلة إلى صالات الترانزيت في طريقهم إلى وجهات أخرى إلى أوطان بديلة ، وبين فرح الوصول وحزن مغادرة الوطن ودّعنا بعضنا على أمل أن نلتقي في رحاب السودان الذي نعرفه ونألفه،متي يحدث ذلك؟ نتركه للايام والدعوات
كتب:صديق رمضان