تحقيقات وتقارير

🔴 هل يمتلك الدعم السريع سردية متماسكة لأسباب قتاله؟

الدعم السريع في مروي:
في الثاني عشر من أبريل 2023 أفاق مواطنو مدينة مروي بالولاية الشمالية على دخول عشرات السيارات المدججة بالسلاح والتابعة لقوات الدعم السريع تقتحم المدينة وتتجه مباشرة إلى قاعدة مروي الجوية، في خطوة وصفها الدعم السريع بأنها طبيعية وأن انتشار القوات في مدينة مروي شمالي السودان يأتي ضمن نطاق عملها ووجودها في كل ولايات ومدن السودان حتى الصحراء، وإنها قوات قومية تعمل في إطار القانون بتنسيق وتناغم تام مع قيادة القوات المسلحة وبقية القوات النظامية الأخرى, في الوقت الذي أكد فيه الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية أن تحرك قوات الدعم السريع نحو مدينة مروي وبقية مدن السودان والعاصمة الخرطوم تم بدون التنسيق مع قيادة القوات المسلحة، وأمهلت القوات المسلحة قوات الدعم السريع 24 ساعة من أجل الانسحاب من منطقة تمركزها الجديدة بمدينة مروي.

وبعد اندلاع القتال بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية منتصف أبريل من العام 2023 قال قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو إن تحرك قوات الدعم السريع نحو مطار مروي ومطار الأبيض وبقية المطارات داخل البلاد من أجل السيطرة على الطائرات الحربية حتى لا يستخدمها الجيش ضدهم في القتال.

من الدفاع عن النفس إلى هدم دولة 56:
كان الهدف الأول من خوض الحرب بالنسبة للدعم السريع حسب أقوال وتصريحات قائد الدعم السريع هو الدفاع عن النفس وصد الهجوم، ثم أيضًا من أهداف قتال الدعم السريع القبض على البرهان بعد حصاره في مقر إقامته ومطالبته بتسليم نفسه فورًا. ثم لاح بعد ذلك سببٌ ثالث وهو الدفاع عن الديموقراطية وتنفيذ خيار الشعب والمساواة بين المواطنين وأن الحرب والقتال هو ثمن للتحول الديموقراطي بحسب ما قال قائد الدعم السريع. وأيضًا هذه الحرب بالنسبة للدعم السريع فهي حرب ضد (الفلول والكيزان) وعناصر نظام المؤتمر الوطني واتهامهم بأنهم من أشعلوا الحرب, ثم تحولت الحرب بالنسبة للدعم السريع إلى دفع الظلم عن المهمشين وإعادة حقوقهم المسلوبة منذ استقلال السودان، ثم أصبحت حرب الدعم السريع من أجل القضاء على دولة 56 وعلى مكونات اجتماعية يصفونها “بالجلابة” واتهامهم بأنهم سبب خراب السودان منذ العام 1956، فهل رواية الدعم السريع عن أسباب القتال متماسكة؟

رواية الدعم السريع رواية متماسكة جدًا:
وفي حديث لـ “سودان بلس”، يرى الدكتور عبد الله علي ابراهيم أستاذ تاريخ إفريقيا والإسلام بجامعة ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية, يرى أن الدعم السريع لديه رواية متماسكة ومتماسكة للحد الذي تبنته (تقدم) بأشكالها المختلفة سواء كان قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي أو كل التنظيمات التي من تلك الناحية، وهي أنهم أبرياء وكانوا قد قبلوا بالاتفاق الإطاري، والذي شن الحرب في الحقيقة ليس حتى الجيش السوداني وإنما شنته جماعات الإخوان المسلمين وكتائب البراء، وفرضت هذه الحرب على الجيش. ويقول عبد الله أن هذه رواية متماسكة جدًا, والدليل على تماسكها هي أنها قُبلت عند جماعات مستنيرة جدًا وفي قلب العملية السياسية.

من لا يمتلك رواية متماسكة عن الحرب هي (تقدم):
ويرى عبد الله أن في اتفاق أديس الأخير ومع تبني تقدم لهذه النظرية بتفاصيلها قررت أنها ستعقد في يوم ما لجنة تحقيق بعد نهاية الحرب أو كذا تحقق في (من شن الحرب؟) و(من أطلق الرصاصة الأولى؟)، و(من المسؤول عن الحرب؟). إذا كان هنالك من لايمتلك رواية متماسكة فليس الدعم السريع بأي حال من الأحوال وإنما هي تقدم, ويعتقد أن رواية الدعم السريع أخفت حقيقة أن الدعم السريع لن يقبل مطلقًا أن يندمج في الجيش السوداني لا في عشرين سنة ولا في مائة سنة ولا في قرون، حقيقة الدعم السريع أنه يعتقد بأنه جيش وطبعًا هو ليس مجرد جيش وإنما هو أيضًا مؤسسة اقتصادية كاملة وهذا عادةً لا يتسرب للنقاش وهو هذا التكوين العسكري المالي الاقتصادي وكل النقاش في أنه يندمج في الجيش, وهو لا يريد ذلك وكرر هذا مرات ومنذ عهد البشير قال إنه جيش مقنن بالدستور ولهذا فإن أي إنسان يضعه في خانة أنه سيندمج إنما يتعامل معه كحركة مسلحة انتهت أغراضها وحققتها وذهبت لأدراج الريح وقال بنص الكلام “تاكلونا لحم وترمونا عضم” فهذه هي القصة المتماسكة الحقيقية التي لا يريد كثير من الناس النفاذ إليها, والآن هم لديهم الرواية الجاذبة ومقبولة عند أطراف كثيرة جدًا؛ وهي عن تبرئتهم من هذه الحرب وهي حرب خاضوها حقيقة عندما جاء المنعطف الذي ليس هنالك ما بعده وهو منعطف ماذا ستعمل بالدعم السريع؟ هل ينحل؟ هل يحكم دولة؟ أم ماذا؟ وهذا سؤال وجودي وكان الحل له تلك الاستعدادت العظيمة الكبيرة لأن يجيب عنه “وهي أنني لن أندمج وسأبقى جيشًا، وإذا لم تقبل بهذا الوضع بأني سأصبح جيش مجاور للك فأنا سأحتل دارك وأكون كالجيش الوحيد”.

عدمية سياسية:
أما المحلل السياسي والباحث السوداني في الشؤون الإفريقية عباس محمد صالح عباس فيرى أن رواية الدعم السريع غير متماسكة ويقول في حديثه لـ “سودان بلس” إن أُس الاضطراب في الخطابات وغياب السردية المتماسكة لدى الدعم السريع يرجع للطبيعة الفوضوية لهذا الكيان نفسه. وكذلك نتيجة استسهال قادة الدعم السريع مغامرة الدخول في الحرب بهدف الاستيلاء على السلطة حيث كانت هنالك أربعة عوامل عملت كروافع لدى قائد الدعم السريع نحو هذا الطموح السلطوي: العامل الخارجي والتعبئة القبلية وافتراض ضعف مؤسسة القوات المسلحة، واستخدام المال لشراء الذمم والولاءات.

وأضاف عباس, لذا تارة يزعم جلب الديمقراطية وتنفيذ الاتفاق الإطاري كان لمغازلة الخارج، تارة هدم دولة 56 هو محاولة لحشد التوجهات الجهوية في أطراف البلاد وقيادة مشاريع المهممشين وتارة أخرى محاربة الفلول والإسلاميين وهي للنسج على منوال المشروع الإماراتي وأجندته في السودان، وتارة محاربة هيمنة الشمال النيلي لتعبئة مكونات العطاوة في دارفور وكردفان.

ويرى عباس أن مشروع الدعم السريع كان أخطر المشاريع التي مرت على السودان، ويشكل نموذجًا متقدمًا للإجرام السياسي المنظم الذي وجد مساحات للعمل والتمدد في ظل مرحلة “الفراغ الكبير” في البلاد بعد 2019: تفكك القوى الوطنية وصعود الكيانان الفرعية خاصة النزعات الجهوية وصعود أحزاب ومجموعات تفتقر للبرنامج الوطني وبدون خبرة في إدارة العمل العام وأجهزة الدولة، بجانب ضعف القيادة الحالية سياسيا وعسكريًا بطريقة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

ويعتقد عباس أن طموحات الدعم السريع للسيطرة على السلطة وإلغاء مؤسسة القوات المسلحة والحلول مكانها مثالًا للعدمية السياسية، انحدرت بالدعم السريع من قوات نظامية إلى مليشيا إجرامية متمردة ضد نظام الدولة وأبجديات الحكم والمدنية وحكم القانون والنظام.
يجسد الدعم السريع “مشروع اللامشروع”:

يرى عباس أن الدعم السريع يجسد مشروع اللا مشروع فالمشروع السياسي للدعم السريع انطلق وانبنى على قاعدة ضيقة جدًا كونه ذا طابع قبلي أو جهوي؛ وهي قاعدة لا تضمن له الاستمرارية والمشروعية أو تحقيق أي نجاح، كما زادت الحرب من ضيق هذه القاعدة بشكل كبير. لذلك فإن استمراره في الحرب يعني القضاء على الكتلة الصلبة في مشروع الدعم السريع ألا وهي القاعدة الضيقة التي تقوم عليها حرب الدعم السريع أي مكونات العطاوة وهي خسارة لا تعوضها، لا بالدعم الخارجي ولا بالغطاء السياسي من المجموعات المدنية التي تحالفت معه.

وأخيرًا يظن عباس أن تجربة تمرد الدعم السريع بعد أن كان جزءً من الدولة وقواتها النظامية تقدم دليلًا على الفشل المحتوم لبقية المشاريع الجهوية وعدم قدرتها على الحكم وتسيير الدولة في البلاد.

تقرير: ملاذ وراق
سودان بلس