تحقيقات وتقارير

“المحقق” تقف على كواليس اجتماعات المبعوث الأمريكي في القاهرة

أهمية مصر والحوار الشامل والضغط على الإمارات وحتمية انهاء الحرب أبرز أجندة الزيارة

القاهرة – المحقق: صباح موسى

أنهى المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان “توم بيرييلو” زياته للقاهرة والتي استغرقت يومين، وذلك في ضمن جولة تشمل كل الدول المعنية بالحل في السودان في المحيط العربي والأفريقي، والتقى المبعوث خلال زيارته بوزير الخارجية المصري سامح شكري، وعدد من القيادات السياسية والإعلامية السودانية الموجودة بالعاصمة المصرية، واستمع إلى وجهة النظر المصرية في حل الأزمة، كما ناقش مع الجهات السودانية التي التقاها كيفية إنهاء الحرب بالسودان، وكيفية السماع للشعب السوداني، في الوقت الذي اعتبر فيه أن الأحزاب السياسية لا تمثل الشعب. وبدا المبعوث الأمريكي الجديد أكثر انفتاحاً عن سابقه، وأن لديه تفويضاً قوياً من إدراته لضرورة إنهاء الأزمة بالسودان، والتي حدد لها 3 أشهر قبل ما أسماه الإنزلاق إلى مربع الفوضى والمجاعة والإرهاب.

موقف مصر

وفي لقاء المبعوث الأمريكي بوزير الخارجية المصري شدد سامح شكري على ضرورة إشراك كل القوى السياسية والأطراف الوطنية الفاعلة في أية عملية مستقبلية للسلام ووقف دائم لإطلاق النار في السودان، وأكد بيان للخارجية المصرية صدر عقب اللقاء، على أهمية احترام مبادئ سيادة السودان ووحدة وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية والحفاظ على الدولة ومؤسساتها ومنع تفككها، وشكر شكري “بيرييلو” على زيارته القاهرة وأطلعه على الاتصالات المصرية مع كافة الأطراف لنقل رسائل أساسية مفادها ضرورة وقف التصعيد والتوصل لاتفاق مستدام لوقف إطلاق النار، كما استعرض شكري موقف مصر القائم على أهمية التعامل مع النزاع في السودان باعتباره شأناً سودانياً خالصاً، وضرورة عدم تدخل أية أطراف خارجية في الأزمة بشكل يعيق جهود احتوائها، مشيراً إلى جهود الدولة المصرية لتقديم الدعم اللازم للشعب السوداني منذ بدء الأزمة، واستقبالها لأكثر من نصف مليون مواطن سوداني، بالإضافة إلى أكثر من خمسة ملايين سوداني آخرين يعيشون في مصر دون تفرقة بينهم وبين المواطنين المصريين.

من جانبه أعرب المبعوث الأمريكي عن ارتياحه لزيارة مصر في أول جولة إقليمية له بعد توليه المنصب، تأكيداً على إدراك الإدارة الأمريكية لأهمية دور مصر وتأثيرها في المنطقة، ومحورية دورها في أي حل مستقبلي للأزمة السودانية، واتفق الجانبان علي مواصلة التشاور والتنسيق بين البلدين خلال المرحلة القادمة .

التوجه الأمريكي

وتعكس زيارة المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان للقاهرة في أولى تحركاته أن الإدارة الأمريكية يبدو أنها سترتكز على الرؤية المصرية في المرحلة المقبلة في حل الأزمة السودانية، وأنها أيقنت أن القاهرة هي الأكثر فهماً لتعقيدات الأزمة السودانية إقليمياً ودولياً، وكما تغيرت وجهة النظر الأمريكية تجاه الدور المصري، تغيرت أيضا بشأن التواصل والانفتاح مع الأزمة السودانية، وأكدت مصادر قريبة من إجتماعات المبعوث الأمريكي في القاهرة لـ “المحقق” أن المبعوث ألقى باللوم على القوى السياسية السودانية والتي رأى أنها لم ترتق إلى مستوى الأزمة، وأنها لا تمثل الشعب السوداني، كما سأل بإلحاح عن الآلية التي يمكن التعامل عبرها لسماع الشعب السوداني .

المبعوث سأل أيضاً عن النظام القديم ومدى تأثيره، وهل يملك سنداً جماهيرياً أم لا، وقال إن النظام القديم يدعي أن له سند جماهيري، وإذا كان يتوفر فعلاً هذا السند للنظام القديم فاتركوا له المجال، وهنا يُفهم أن الإدارة الأمريكية ربما أيقنت ضرورة الحوار الشامل الذي لا يستثني أحداً، ويبدو أن عدم الإقصاء في الأزمة السودانية صار توجهاً حتمياً على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، بعد التأكد من أن الطريقة القديمة في التعامل بتغليب طراف على طراف من مكونات الشعب السوداني لم تأتِ أكلها.

المبعوث الأمريكي تناول في مباحثاته بالقاهرة أيضاً الدعم الإماراتي للدعم السريع، – ووفق المصادر- اعتبر المبعوث الأمريكي أن الدعم الإماراتي هو السبب في إطالة الحرب في السودان، منوهاً أن الدعم السريع بدون دعم أبوظبي لا يساوي شيئاً، مؤكداً أن الدعم الإماراتي يرتبط بمصالح الإمارات في السودان، مستدركاً في الوقت نفسه أن هذه المصالح لا يمكن أن تتحقق إلا باستقرار السودان.

وبحسب المصادر، أكد المبعوث أن هناك ضغطاً الآن على الإمارات للعدول عن هذا الدعم، وأنه يجب أن يستمر هذا الضغط، لأن هناك استجابة من جانب أبوظبي.

لقاء الكتلة

من جانبه أوضح الدكتور محمد زكريا الأمين السياسي بالإنابة لحركة العدل والمساواة والناطق الرسمي للحرية والتغيير “الكتلة الديمقراطية” أن لقاءهم بالمبعوث الأمريكي جاء بدعوة منه للكتلة الديمقراطية والحركات داخلها. وقال زكريا لـ “المحقق” أكدنا للمبعوث الأمريكي أننا نرى الحل من خلال تنفيذ إعلان جدة للقضايا الإنسانية الموقع في مايو الماضي، والذي يفضي لخروج الدعم السريع من الأعيان المدنية، وإن هذا يمكن أن يفضي لمفاوضات أمنية تنتهي باتفاق لوقف شامل لإطلاق النار، مضيفاً أكدنا أيضاً للمبعوث على ضرورة حوار سوداني سوداني شامل، وعلى ضرورة تلافي أخطاء المرحلة الماضية، وأن يكون الحوار شاملاً، كما أكدنا على دور تلعبه القوى الإقليمية والدولية في هذا الحوار وعلى رأسها مصر وجنوب السودان وأمريكا والمملكة العربية السعودية، وعلى أهمية إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب، وأنها يجب أن تتم تحت رقابة الحكومة السودانية، وأيضاً على ضرورة أن تعمل أمريكا مع دول جوار السودان وأصدقائه لوقف الحرب، مؤكداً أن زيارة المبعوث للقاهرة أتت في وقت مهم يعيشه السودان، وامتداد آثار الحرب إلى الجوار السوداني، موضحاً أن المبعوث اقترح من جانبه حواراً يفضي إلى برنامج حد أدنى يتفق خلاله السودانيون حول كيفية إنهاء الحرب، مشيراً إلى حديث المبعوث عن فترة زمنية لتركيز الجهود للحل، وقال إنه تحدث عن 4 أشهر كحد أقصى لوقف الحرب، وإنه يخشى من أن إطالة زمن الحرب سيخرج الأمور عن السيطرة وسيؤدي إلى كارثة إنسانية، مضيفاً أننا نشاركه هذا الهم، ونرى أن انزلاق الأمور إلى حرب أهلية “غير وارد”، مؤكداً أن الحرب بين القوات المسلحة التي تدعمها الكتلة الديمقراطية ومتمردي الدعم السريع، وأنها ليست حرباً بين مكونات المجتمع السوداني، مضيفاً لكننا نتفق مع المبعوث في أن استمرار الحرب سيزيد من المعاناة وسيفاقم من تدهور الأوضاع.

موضحاً أن أحد توصيات المبعوث إلينا أن الأقدر على حل الأزمة هو السودانيون أنفسهم، وقال إن هذه إشارة للسودانيين أن يقفزوا فوق الجراحات وأن ينخرطوا في حوار سوداني سوداني بلا اشتراطات، وأن هذا يتطابق مع رؤية الكتلة الديمقراطية في شمولية الحوار.

وتابع لكننا نرى أن الدور الدولي في جسر الهوة بين الفرقاء السودانيين من شأنه أن يرصف الطريق للجلوس للحوار، وأن هذا تسهيل مهم، معرباُ عن تفاؤله بهذا الدور الدولي والذي يجب أن يصطحب معه عدم الوقوع في الأخطاء السابقة بالتعامل مع فصيل مدني واحد دون الآخرين.

تواصل الجهود

من جانبه أوضح السفير صلاح حليمة نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية أن زيارة المبعوث الأمريكي للقاهرة تأتي في إطار تواصل الجهود الأمريكية لحل الأزمة في السودان. وقال حليمه لـ “المحقق” إن زيارة المبعوث الأمريكي للقاهرة تؤكد أهمية الدور المصري المستقبلي في السودان، والذي يرتكز على التواصل مع مختلف الأطراف السودانية، لافتاً إلى أنه ربما يكون هناك دور مصري مرتقب يتم الإعداد له في الوقت الحاضر، مضيفاً أن المبادرة الجديدة في الحل ينبغي أن تركز على الشمولية بجمع كافة الأطراف السودانية في الحوار والموافقة على مخرجات هذا الحوار، مؤكداً أن أي مبادرة أخرى تتحدث عن الإقصاء لن تؤدي إلى الحل، وقال إن التحرك الأمريكي الجديد سيأخذ في الإعتبار الرؤية المصرية في الحل، إدراكاً لأهمية دور مصر في أي تسوية سودانية، وتابع أن الدور المصري في السودان محوري من خلال مبادرة دول جوار السودان والتي يغلب عليها الشمولية فيما يتعلق بمفردات الأزمة السودانية، مبيناً أن جمود مبادرة دول جوار السودان بعد إجتماع آليتها في العاصمة التشادية “انجمينا” يرجع إلى عدم توافق بعض الرؤى الإقليمية والدولية مع خارطة الطريق التي وضعتها المبادرة.

مسار جديد

أما عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار فقد رأى من جهته أن هناك مساراً جديداً لحل الأزمة السودانية يتجاوز مسار جده. وقال ميرغني الذي التقى المبعوث الأمريكي ضمن عدد من الكتاب والإعلاميين السودانيين لـ “المحقق” إن المبعوث الجديد بدا أنه أكثر انفتاحاً من السفير الأمريكي السابق بالسودان، وأن طريقته مختلفة عن سالفه الذي كان حذراً وغير منفتح على الأزمة، علاوة على إحساسه الضعيف بالأمور في البلاد، مضيفاً أن التحرك الأمريكي الجديد سيكون بإيقاع أسرع من السابق، وتابع لمحنا من كلام المبعوث أن الحرب لابد أن تتوقف بكل الطرق، وإجبار كل الأطراف على ذلك، وقال إن المبعوث تحدث عن الضغوط الإقليمية والدولية، وشعرنا أنه ربما تصل هذه الضغوط إلى الفصل السابع إذا لزم الأمر، موضحاً أن المبعوث يبدو أنه يركز على مصر في بداية تحركاته، وقال يبدو أن هناك قناعة بأن مصر يمكن أن تعطي توصيفاً أفضل للأزمة من الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى، لافتا إلى أن المبعوث لم يبلور طريقة جديدة للتعامل مع الأزمة حتى الآن، وإلى أنه يحتاج إلى مزيد من المتابعة، وإلى أنه منفتح على مزيد من النصائح.

القاهرة – المحقق: صباح موسى