رأي ومقالات

🔴 لماذا حميدتي؟! لماذا السودان ؟!

ربما يتسائل البعض، ولهم كامل الحق في ذلك: لماذا تربط أي دولة تريد أن تحافظ على سمعتها وصورتها الايجابية، نفسها بشخصية مجهولة الأصل والهوية، وعليها ملايين الملاحظات، ومتهمة بجرائم إبادة جماعية، مثل محمد حمدان دقلو “حميدتي، وتدخل نفسها في حالة عدائية مع عدة شعوب بأكملها، وهل الأمر يستحق؟!

مع الأسف، نعم الأمر يستحق ذلك!
منطقة الساحل الأفريقي، وهو الحزام الأفقي الممتد بعرض القارة الأفريقية من المحيط الأطلسي غربًا حتى البحر الأحمر شرقًا، يزخر بالعديد من الموارد الطبيعية التي لا مثيل لها في العالم. ثروات نفطية وغازية وتعدينية ويورانيوم خام، بجانب ثروة حيوانية، وامكانيات كبرى لجعل المنطقة (لو تكاملت مع القرن الأفريقي) في شرق أفريقيا ما بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، بأن تصبح سلة غذاء العالم،

كذلك تتميز هذه المنطقة، بأهمية جيوسياسية بجانب أهميتها الجيو-اقتصادية، حيث تسيطر على أهم طرق نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وهو ما يوفر للقارة العجوز حاجاتها من الغاز والخامات بما يغنيها عن الاحتياج لروسيا، وبأسعار معقولة، بجانب حماية القارة من موجات الهجرة المزعجة، وإعادة بناء البنية التحتية في منطقة بحاجة لكل شيء،

تخيل نفسك دولة لديها أموال كثيرة، وتريد أن تشكل إمبراطورية اقتصادية تحقق أرباح طائلة، وتلعب دور على الساحة الدولية يمنحها مكانة أكبر بكثير من حجم حدودها وقدرات جيرانها الأكبر، ويجعل من بقاءها واستقرارها وازدهارها (مصلحة لكافة القوى العالمية المؤثرة) تمامًا كما أن بقاء إسرائيل، هو الشيء المتفق عليه داخل منظومة الغرب الجماعي،

في هذه الحالة، لديك فرصة مثالية، المستعمر القديم فرنسا، دخل الروس ولعبوا دور كاسحة الألغام لطرده، لكن موسكو لا تمتلك الأموال ولا الديناميكية الكافية لملء هذا الفراغ، ووجودها يزعج الولايات المتحدة وأوروبا وبقية منظومة الغرب الجماعي، هنا يمكنك أن تقدم نفسك للغرب الجماعي بأكمله، دعوني أخرج الروس عبر منحه بعض المكاسب من خلال علاقاتي معه، وأسد الفراغ وأنا جزء منكم بدلاً من الفوضى أو ترك المنطقة للصينيين والروس والإيرانيين، وسألعب دور الوكيل لمصالحكم في إطار علاقة تفيدني وتستفيدون منها،

لكن نجاح هذا المشروع، يصطدم بعقبتين هامتين. الأولى، ضعف الموارد البشرية لدى هذه القوى الطامحة. الثانية، عدم وجود قدرات عسكرية. وفي هذه الحالة يلعب حميدتي، دور حيوي وهام للغاية، حيث يمتلك بحكم خلفيته قدرة على حشد من 2 إلى 5 مليون مقاتل من عرب الشتات الموزعين في المنطقة من موريتانيا إلى السودان، الذين دمر التقسيم الاستعماري، والدولة القومية الحديثة بحدودها وقوانينها منظومة هذه القبائل الاقتصادية، وبسهولة يمكن أن يجندهم لتحقيق حلم تشكيل “كونفدرالية عربية في الساحل الأفريقي”، كذلك حميدتي، لا يمكن أن يتمرد على مشغليه، كونه شخص منبوذ داخل مجتمعه، وبدون دعم خارجي، وعمل شركات الـ PR، لا يساوي شيء في الخارج، كذلك عليه العديد من أدلة الإدانة والإبتزاز، التي تضمن أن يكون عميل طيع!

لماذا السودان؟!
السودان، ليس هو المستهدف في حد ذاته، لكن قيمة وأهمية السودان في كونه النقطة الأخيرة بمنطقة الساحل، المشرفة على البحر الأحمر، وعقدة الوصل أو الربط بين الساحل والقرن الأفريقي، والمعبر الطبيعي للوصول إلى ليبيا ومنها إلى أوروبا، والأهم الدولة الأكثر تقدمًا في منطقة الساحل، وبمثابة الحلم لكل قبائل الشتات، ليحلوا محل السكان الأصليين، مع امتلاكه بجانب إثيوبيا لمنابع النيل، وهو ما يضمن إخضاع الطرف الأقوى في المنطقة القادر على التصدي لهذه المشروع (مصر) التي تم اخضاعها بالديون، والآن المياه وهي سر وجودها، واستغلال وجود عدم تنسيق بالشكل الكافي بين القاهرة والرياض، وفي حال السيطرة على السودان، فقد تم اطباق الحصار المطلق على القاهرة، وضمان عدم امتلاكها لأي أدوات ضغط على إثيوبيا، وبناء عليها مقايضتها بقبول ما يحدث في السودان مقابل تسهيل حصولها على المياه والسيف مسلط على رقبتها عبر امتلاك إثيوبيا وحلفائها للمحبس، وامكانية غلقه في أي وقت لو تغير الوضع السياسي المصري مستقبلاً،

فيما بعد، ستشكل قوات حميدتي، مورد بشري هام، لإعادة توزيعها في إطار “فيالق أفريقية”، تخدم المشاريع المزمع القيام بها من خطوط نفط وغاز ومزارع ومستوطنات بشرية غربية وغابات مغلقة ومحميات طبيعية للسياحة ومناجم ومزارع، وكذلك لحماية الموانيء في البحر الأحمر والجزر اليمنية في المحيط الهندي،

هذه نبذة بسيطة عن أساس الصراع الحالي على السودان لا في السودان، لحين شرحه بشكل مفصل، في حلقات أنوي تقديمها على اليوتيوب بعنوان “خمسة جيوبوليتيك”،
أخيرًا، هل يمكن لوم أي قوة حتى لو صغيرة الحجم والمساحة والسكان على طموحها لتكون قوى عظمة في المنطقة؟ بالتأكيد لا، والطموح حق مشروع لكل دولة، وفي العلاقات الدولية تقاس الدول بأفعالها لا أحجامها، ربما يمكن لومها على أنها تنتهج ما أسميها سياسة “شايلوك” أي تعمد الإضرار بمصالح الآخرين حتى لو لم يكن هناك حاجة لذلك، وهنا المعضلة، ولكن اللوم الأكبر يوجه لمن يصفون أنفسهم بأنهم “كبار” لكنهم لم يفعلوا ما يقتضيه موقعهم وتاريخهم، وتركوا كل هذا الفراغ، فلا تثريب على من قرر الدخول والعمل على الأرض، ليستغل الأوضاع لصالحه!!

أما من يسطحون الصراع على أنه مجرد خلاف بين جنرالين في السودان أو صراع بين ديمقراطية وعسكرية، فهم حقًا أكثر تفاهة من حتى إضاعة الوقت في نقاش أطروحاتهم، فهم إما “مغفل مفيد” أو “مستفيد”!

كتب (أحمد دهشان)