منوعات

التصور الإسلامي للاجتماع الإنساني

– الإنسان هو الوحدة الأساسية التي تقوم عليها الحياة البشرية في كوكب الارض. وهو العنصر الذي تلقى تكليفه المباشر من خالقه اذ علمه العلوم ومصادرها ومنحه العقل القادر على استنباط المعارف وتطويرها وترك له مطلق الحرية في الانتظام مع مخلوقات الكون الأخرى وسخر له مخلوقات الارض ليسخرها وفقا للنواميس التي أودعها المولى فيها فيتبارك سعيه وتنمو عمارته للأرض ويصبح اثره his foot print نماء وحضارة.

– ومن بين قواعد الانتظام مع نواميس مخلوقات الارض والكون حوله، فصل المولى الهدي في علاقة الإنسان باخيه الإنسان وأوضح له قواعد علاقته مع الوحدات البشرية التي قد يجد نفسه فيها او تلك التي يدرك حاجته إلى تطويرها لتعظيم كسبه.

– فالإنسان يولد في وحدة بشرية هي الاسرة والده ووالدته ( وان جاهداك على ان تشرك بي شيئا …). والانسان يولد في عائلة ( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون ايهم اقرب إليكم رحما ) والانسان يجد نفسه منتسبا إلى قبيلة ( أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ).

– وخلال هذه الوحدات البشرية بين المولى للإنسان قواعد التوالي والانتظام في علاقة لا تمس أصول تكليفه فلا تنتقص من حريته وحقوقه ولا تلغي شيئا من واجباته وتكاليفه الممنوحة له او المكلف بها من خالقه. بل جعل الانتظام في هذه العلاقات الرحمية سبيلا إلى تعزيز الإنسان كوحدة اساسية مستقلة مكتملة الخصائص.

– وبذات الخصائص والحقوق والحريات والواجبات ينتقل الإنسان إلى الانتظام في علاقة اوسع هي علاقته باخيه الإنسان الذي لا تربطه به علاقة رحمية قريبة. وبالطبع فان الجغرافيا تلعب دورا في تقريب الإنسان إلى أخيه الإنسان الاخر لكنها ليست العامل الحاسم المطلق او كما عبر الشاعر :
– على ان قرب الدار ليس بنافع
– إذا كان من تهواه ليس بذي ود

– او كما عبر القران ( يا ايها الذين آمنوا ان من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم )

– فخلال جميع هذه الدرجات من وشائج العلاقة الإنسانية، حرص المولى على صيانة استقلالية الانسان كوحدة اساس للاجتماع البشري. ذلك لان سلامة هذه الوحدة الأساسية في بناء الاجتماع البشري تجعل البنيان كله سليما مثل قطع الطوب السليمة تجعل البناء كله سليم.

– والقاعدة الأساسية هنا أن جميع وحدات الاجتماع البشري التي تبدا بالاسرة وتنتهي بالامة والبشرية لا تقوم فوق الإنسان كسقف يحجب عنه خالقه ويقطع عنه مصدر تكاليفه او حقوقه او حرياته. واذا حدث ذلك فالإنسان مامور بهجران كيان الاجتماع البشري هذا هجرة إلى الله ( فلا تطعهما ..) ( الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها )

– وكما انه لا يجوز للإنسان التنازل عن حقوقه وحرياته او نقل تكاليفه إلى والديه او ابنائه او ترجيح علاقته بقبيلته وعشيرته على علاقته المباشرة مع ربه، فانه لا يجوز للإنسان التنازل عن حرياته وحقوقه وتكاليفه لسلطة اعلى من الاسرة والقبيلة والعشيرة تقوم فوقه فتحتكر دونه بعض وظايف الحياة التي كلفه المولى بأدائها من ذروة الجهاد ( حتى لا تكون فتنة) اي حتى لا تقوم قوة او سلطة تمنع أخيه الانسآن في اي مكان يستطيع هو الوصول اليه من التمتع بحرياته او القيام بواجباته. فالقتال ليس فقط دفاعا عن ارض او عرض او مال وان كانت هذه كلها مقدمة بالطبع ، ولكن القتال والجهاد في الإسلام دفعا لفتنة الانسان عن فطرته التي فطره الله عليها.

– ولا يجوز للإنسان كذلك التنازل عن واجباته في الرعاية الاجتماعية لاخيه الانسان لصالح سلطة اسرية او عشائرية او سياسية، فالقوانين والنظم التي تحكم تكليف الانسان بالرعاية الاجتماعية دقيقة جدا وبعضها مفصل تفصيل شديد من الخالق نفسه ولا سبيل إلى نقلها إلى جهة اخرى.

– بهذا المفهوم فان الانسان كوحدة اساس يشارك في تاسيس وجوده داخل كيانات الاجتماع الانساني والبشري مشاركة متساوية حرة كاملة. وأيما كيان من هذه الكيانات يتاسس بمعزل عن مساهمة الانسان فيه بحرية كاملة فهو كيان باطل. وأيما كيان من كيانات الاجتماع البشري يدعي الحق في احتكار حريات او حقوق او تكاليف الانسان ومن ثم منحه منها ما يراه ذلك الكيان ، فهو كيان باطل !!

– فالأسرة ليست مستودع الحقوق الذي يحتاج الانسان إلى تصاديق ليصرف منها حقوقه ، والعشيرة ليست مخزن الحريات الذي يشتري منه الانسان حرياته ، والدولة ليست الكيان الذي ينوب عن الانسان في اداء تكاليفه إلا بالقدر الذي تسمح به تعاليم التكاليف كما اصدرتها الجهة صاحبة التكليف وهي الخالق.

– هذا هو النظام الذي تتاسس عليه قواعد واصول التعاقد الاجتماعي في الإسلام وكما هو معلوم فهو نظام سابق بملايين السنين والقرون لجان جاك روسو وجون لوك وهوبز وغيرهم من الذين نقلوا في كثير من عناصر فكرهم من مساهمات علماء العالم العربي والإسلامي.
– التاريخ البشري لم يبدا حينما انتبهت أوروبا من غفوتها على طريقة ( قام من نومه لقى كومه) فوجدت ان الإسلام قد اكمل للناس دينهم واتم عليهم نعمته فانطلقت جحافلهم تعمر الارض بالمعرفة والعلوم وتخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .

صديق محمد عثمان