تحقيقات وتقارير

بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!

على مشاجب الترقب، لم تزل الانظار ترنو بعد نحو عام من اندلاع الحرب في الخرطوم إلى العودة إلى بلاد مقرن النيلين، كما لم تزل تنظر الى حالة الخراب والتدمير الموجع و الممنهج الذي اعترى مناحيها ومبانيها دون أن يستثني فيها شيئا، لتضحى خرابا بعد أن كانت قبلة الجميع، ومحط الأقدام والانظار.

ومع تطاول أمد القتال يتسع حجم الدمار، الذي طال كل البنى التحتية والخدمية، للعاصمة الخرطوم، دون أن تسلم الأشياء، فلا الأماكن بقيت على حالها، ولا الطرقات ولا المنازل ولا الناس، ظلو على ما كانو عليه، لتتسع مع حجم الدمار الآلام والماسي، حيال المصاب الكبير، فكيف تبدو الخرطوم بعد نحو عام من تهجير أهلها؟

مدينة الأشباح
مشاهد اقل ما يمكن ان توصف بالمؤلمة تلك التي تعتري العاصمة الخرطوم والتي تعيش أجزاء واسعة منها في حالة من الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنها وانعدام المياه، لتصبح أقرب إلى مدينة الأشباح، بعد أن فر سكانها منها خوفا من مليشيا الجنجويد، فيما بقيت أرواحهم معلقة في سمائها، يرجون صبحا يلتقون فيه آمنين مطمئنين.

حالة من السكون المخيف يقطعه التدوين المتبادل بين الجيش والمليشيا، فضلا عن استمرار حالات النهب والسلب المتواصلة، لنحو أكثر من عام، حيث لم تزل عمليات السرقة مستمرة بعد أن فقدت كثير من الأسر صبرها ورباطة جأشها، فاثرت المغادرة إلى المناطق الآمنة داخل العاصمة او خارجها، حاملة معها يسيرا من متاع، على أمل العودة من جديد.

الحياة شبة متوقفة

الحياة شبة متوقفة، وفق افادات تحصلت عليها “الكرامة” من مواطنين عجزو عن الخروج من العاصمة نسبة لظروف اقتصادية متعسرة، و آخرين لا يعرفون إلى أي وجهة يتوجهون، فكل ما يعرفونه انهم لن يتركوا شقى سنواتهم للصوص وقاطعي الطريق ينتزعونه دون وجه حق.
وفيما تزداد الأوضاع صعوبة، ترتفع بالمقابل حجم الآمال في توقف الحرب وعودة الأوضاع الى طبيعتها، سيما في ظل تردي الوضع الاقتصادي الصعب داخل الخرطوم تحديدا، والذي تضاعفت على اثره الأسعار بشكل خرافي، لتصبح التكايا والمطابخ وجهة السواد الاعظم للمتواجدين في تلك المناطق مثل منطقة الجريف غرب وأحياء جنوب الحزام مثل الأزهري والسلمة ومايو وحي الانقاذ، التي مازال سكانها متواجدين.

الخرطوم.. القرية

وعلى الرغم من تواجد سكان تلك الأحياء الا انهم يعيشون تحديات كبيرة وفق محمد علي _ اربعيني _ من سكان منطقة الجريف ما زال متواجدا في الخرطوم بعد أن تمكن من إخراج أسرته لمنطقة آمنة، فيما بقي هو لحراسة منزله، مؤكدا ل (الكرامة) ، أن الأوضاع بالعاصمة أصبحت مستحيلة، ففي ظل القتال المستمر، يعاني المتواجدون من المواطنين في الحصول على احتياجاتهم في ظل انقطاع التيار الكهربائي والإمداد المائي والذي تضاعفت على اثره اسعار جوالين و(باغات) المياه.

ويعقد محمد في مقارنة ساخرة ذلك التحول الذي اعترى العاصمة، لتصبح اشبه بالقرية بحد تعبيره، التي لم تدخلها المياه ولا الكهرباء بعد، ناهيك عن الانترنت، ينام سكانها باكرا ويستيقظون يبحثون كيفية قضاء يومهم في التفكير على الحصول على المياه والطعام.
تفاصيل مؤلمة يرويها محدثي وهو يجسد حالة التحول الكبير، للخرطوم وهي رغم تهاويها والحريق، الا انها لم تزل صامدة وشامخة.

دمار كبير
ويقلل محمد في حديثه ل الكرامة، من ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من صور او مقاطع فيديو تبين حجم الدمار في العاصمة، مشيرا إلى ان الحجم كبير للغاية، مطلقا تساؤلاته حول الكيفية التي سيتقبل بها المواطنون صدمة الوضع بعد عودتهم.
في مقابل ذلك تشدد محاسن طه خمسينية ل” الكرامة” بمنطقة الازهري، على صعوبة الوضع بعد أن اجبرتها الظروف على البقاء حيث أنها لا تستطيع أن تتحرك بوالديها المسنين من ولاية لأخرى.

وتشتكي طه من صعوبة الحصول على احتياجاتها رغم َجود بعض الاسواق مثل السوق المركزي والمحال التي يجلب اصحابها بضاعتهم من سوق ستة بالحاج يوسف، بحد قولها، الا انها تعجز عن شرائها لتضاعف الأسعار.
وتضيف: نعاني بشكل كبير في الحصول على احتياجاتنا بسبب ارتفاع الأسعار الباهظ، فضلا عن انعدام بعض الأدوية وارتفاع اسعار الموجود منها، ما جعل والدي المسنين يستغنون عن بعض الأدوية، وانا انظر اليهم في قلة حيلة مني.

يبيتون القوى

في مقابل ذلك يشدد خالد الطيب _ اربعيني _ على سوء الوضع بالخرطوم مؤكدا ل الكرامة وجود مناطق تعاني من انقطاع التيار الكهربائي منذ اندلاع الحرب في السودان؛ واخرى تعاني تذبذبه لكنه يعين المواطنين على قضاء حوائجهم على قلتها، مؤكدا على ان التيار المتذبذب، انقطع الايام الماضية مما اثر بشكل كبير في الحصول على المياه.

وبحسب الطيب فان إنقطاع التيار الكهربائي الذي أدى لتوقف الطلبمات التي تقوم بإستخراج المياه من الابار في بعض الأحياء، مما إضطر سكانها للجوء إلى حلول أخرى وهي الاتيان بها من النهر مباشرة بعد أن كان يتم شرؤاها.
وتابع: أزمة المياه هذه أثرت بشكل فعلي على بعض المطابخ والتكايا التي يعتمد عليها سكان منطقة محلية الخرطوم،وذلك بسبب توقفها عن العمل، ما جعلهم “يبااتون القوى”.

الانترنت والكهرباء

وفي زاوية أخرى من زوايا الحكايات والمشاهد المحزنة للعاصمة الخرطوم، يقف انقطاع الانترنت كاحد اهم المشكلات الكبيرة التي يعاني منها المتواجدين من السكان، حيث أنهم يعتمدون عليه اعتمادا كليا في التحاويلات المالية التي تردهم من الخارج.

ووفق المواطنة نايلة محمد الفكي بحي السلمة بالخرطوم، فإن انقطاع الانترنت بالإضافة للكهرباء كان له اثر كثيرا في سوء الوضع، مؤكدة ل الكرامة ان تردي الوضع الاقتصادي للسكان بسبب توقف تطبيق بنكك مع عدم وجود فرص عمل وغلاء الأسعار حيث وصلت أسطوانة الغاز لمبلغ 70 الف جنيه، جعل المواطنين يلجأون إلى الاعتماد على الهيتر.

وتضيف: وبالرغم من الاعتماد على الهيتر الا ان انقطاع التيار الكهربائي، وغلاء الأسعار اجبر المواطنين يلجأون إلى استخدام الأخشاب وتقطيع جميع الأشجار في الخرطوم، لتصبح العاصمة في صورة قاسية من الدمار والخراب، بينما يصارع المواطنين للبقاء على قيد الحياة.

الكرامة: هبة محمود