سعد الدين إبراهيم

قاسم «جدادتي»


[JUSTIFY]
قاسم «جدادتي»

يمشي في الشارع مزهواً بموهبته.. هو في عُرف أكثرية الحي عاطل عن العمل وعند البعض فنان شعبي أو موهبة تحتاج إلى صقل، هو في حالة دراسة دائمة لا يحذقها.. ولا يستمر فيها.. مرة في معهد كمبيوتر وأخرى في كورس فندقة، مرة يدرس الرسم ومرة في المعهد الفرنسي، وأخرى البريطاني، ولم يكمل أية دارسة فيها.. لكنه في الإمسيات وفي الضحى يتأبط «عوده» الذي أجاد العزف عليه بالتكرار والإلحاح والإلفة.. يريد أن يكون فناناً وآلة العود هذه هي التي ستقوم بإيصاله إلى المجد الفني، فأحب آلة العود وأحبته.. عشقها وعشقته.

هو ولد «قسمة بت نوار» أرملة مات عنها زوجها ود قاسم يلقبونه كذلك لمآثر والده.. فقد كان متخصصاً في حفر القبور ومستعداً لها.. حتى وفاته لم يكن دفن ميت في الحي مشكلة.

اسمه «فضل» إلا أن اسمه ضاع أمام مآثر والده.. ويمكنك أن تسميها العائلة ذات الابن الواحد من الذكور.. فـ«نور الحوش» جدهم ولد قاسم وسبع بنات.. وقاسم ولد فضل وخمس بنات وفضل ولد قاسم جدادتي وثلاث بنات.

ورث عن والده عن جده عن «نور الحوش» مزارع وبيوت مؤجرة لأولاد ناس يزيدون الإيجار كل سنة بما يكفل لقاسم وأمه وأخواته ما يكفيهم، وإن كان قاسم يستأثر بنصيب الأسد دون إزعاج من أخواته خاصة وقد أضربت الكبيرة عن الزواج.

قاسم جدادتي متوسط الطول قمحي اللون عيونه عسلية بالجد.. لقب «جدادتي» نهض معه منذ طفولته إذ تعلق بدجاجة في السوق اشترتها له أمه، ربوها وكانت معاكسة تقفز الحوائط للجيران وكان كثيراً ما يطرق الأبواب سائلاً جدادتي عندكم؟ لذلك لصق به اللقب «جدادتي»، عمّق اللقب ممارسته كرة القدم في فريق الحي «الصقور» كان يغني للفنانين غناء من ابتداعه آية في الطرافة إذ يغني أغنية كابلي على طريقة أحمد المصطفى وثنائي العاصمة بطريقة زيدان إبراهيم، فكان يتيح مادة غنائية طريفة وممتعة، ويلحن أشعاراً لا تلحن مثل «المومس العمياء» وحتى «نزار قباني» غنى له «متى تفهم متي يا أيها المتخم».. وله أغنيات من تأليفه كلمات وألحان غاية في الركاكة المليحة تتخللها أبيات قوية مليحة يتيمة مثل «كتر عذابك لي.. خليني أيوب في الصبر»، ولكن هذه الإشراقات نادرة الحدوث إن لم تكن مستحيلة.

كان بُهار الأماسي في الحلة وشمار الإجازات في الضحى، وقد زاد رواد «جدادتي» في السنوات الأخيرة الفائتة لازدياد رواد ضحايا «الصالح العام».. يتحلق الناس حوله يستمعون ويستمتعون بالضرورة.

قاسم جدادتي لا كريم ولا بخيل لا يبسط يده ولا يقبضها، لكنه يتدفق كرماً إذا كان يريد أن يسمعك ابتكاراً فنياً.

ضرب معه الحظ مرة وذاعت أغنيته التي ألفها تركيباً على لحن من ألحان الزار «توماسي.. توماسي توما» فركّب فيها بيتاً يقول «حبيبي ارحكا روما» فذاعت الأغنية وزادت رقعة الأغاني الهابطة أغنية.

عاد في تلك السنة عدد من المغتربين من أبناء الحي كانوا في اشتياق إلى جلسات قاسم جدادتي، التي أصبحت ظاهرة من ظواهر الحلة في الغربة كانوا يذكرونه كثيراً.

وما يميز جدادتي أن لديه «نفخة كذابة» فهو لا يغني في بيوت الأعراس والطهور والمناسبات إذ يعتقد أنه فنان أصيل يترفع عن الحفلات العامة ربما بسبب الوسواس من الرفض لموهبته.

في جلسة ليلية زادت فيها جرعة الدعابة فكر مغتربو الحي من الشبان في أن ما ينقصهم في الغربة «قاسم جدادتي» فقرروا حرمان الحلة منه والاستئثار به في الخليج، بدأت مزحة تحولت إلى حقيقة فكتبوا إلى الرفاق هناك وسرعان ماجاءت الإقامة واستخرجت التأشيرة.. وبعد حين جاء وقت السفر فوثق لذلك بأغنية وداع اشتهرت بعد سفره أيما شهرة مع أنها بسيطة الكلمات فهي لم تخرج من عبارات.. أحي وداع يا حينا.. حار الوداع ياحينا، كيفن نودع كيفن نفارق قلبنا ياحينا ياحينا ولكي عبارة «يا حينا» تتلون وتنقسم فتصبح «حي ..انا» ظل يغنيها ودمعه يفيض وأنفه يسيل وصوته يتهدج حتى خافوا أن يغير رأيه ويترك السفر رغم فرح أمه بابنها «المغترب» وجات العواقب سليمة وسافر قاسم جدادتي.

افتقده الحي كثيراً وحدث فيه شرخ كبير وعرف الناس إلى أي مدى كان «قاسم جدادتي» مهماً.. وكان يملأ مساحة فرغت بسفره.. ومرت الأيام وكاد الناس أن ينسوه تماماً.. لكنهم اندهشوا لم يصدقوا أن شريط الفنان السوداني الذي ظهر في الخليج وغزا الأسواق والأكشاك والحفلات باسم «قاسم جديد» هو نفسه قاسم جدادتي.. وسمعوا عن الرواج الذي حققه والمجد الذي حصله ولمعان اسمه وظهوره جنباً إلى جنب مع كاظم الساهر وجورج وسوف وراغب علامة وعمرو دياب.

كلما رأوا له فيديو كليب في القنوات الفضائية الغنائية.. أو سمعوا شريطه يلعلع في حفلة أو حافلة صفقوا بأكفهم ورددوا:سبحان الله.. سبحان الله.
[/JUSTIFY]

الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]