تحقيقات وتقارير

ديبي رئيس تشاد المنتخب… فوز مشكوك في نزاهته وسيناريوهات الإنقلاب مازلت موجودة

انتهت الانتخابات التشادية بكل زخمها لصالح محمد إدريس ديبي الذي كان متوقعاً فوزه بنسبة كبيرة، وتبقت التحديات الأكبر التي ستواجه البلد الواقع في وسط أفريقيا، فهل سيستطيع حاكم تشاد بعد أن انقلب على السلطة وأصبح الآن منتخباً أن يضع بلاده على عتبات التحول الديمقراطي؟

فوز ديبي

رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد إدريس ديبي حسم الإنتخابات التي جرت قبل أيام في الجولة الأولى، ووفق هيئة الانتخابات بالبلاد فإن ديبي حصل على 61.3 بالمئة من أصوات الناخبين، متفوقاً على رئيس وزرائه سوكسيه ماسرا الذي حصل على 18.53 في المئة من الأصوات، في انتخابات تنافس فيها عشرة مرشحين، وإن تشكك البعض في نزاهتها.

أهم انتخابات

ويرى الدكتور “عثمان حسب الله” رئيس المنسقية الوطنية للناطقين بالعربية في تشاد أن الإنتخابات الرئاسية التى جرت فى السادس من مايو الجاري تعتبر من أهم الانتخابات من حيث التنافسية والمشاركة، وذلك لوجود متنافسين من الوزن الثقيل. وقال حسب الله لـ ” المحقق” إن ذلك إضافة إلى مستوى الوعي الجمعي للمجتمع بالحقوق الوطنية والإيمان بالديمقراطية كخيار للتغيير، معرباً عن اعتقاده بأن الأمور فى تشاد تتجه نحو الخيارات الديمقراطية أكثر من السابق، وأن فرضيات التغيير بالسلاح حتماً واردة لوجود المعارضة العسكرية، مستدركاً في الوقت نفسه بالقول: لكن بات الأمر غير مقبول شعبياً.

المرة الأولى

وتعد هذه هي المرة الأولى في تاريخ البلد الواقع في وسط أفريقيا التي تنافس فيها رئيس ورئيس وزرائه في انتخابات رئاسية.

وتعهد ديبي بتعزيز الأمن وسيادة القانون وزيادة إنتاج الكهرباء في البلاد، عندما أدلى بصوته، يوم السادس من مايو الجاري، في وقت كانت فيه الآمال معقودة على تغيير جذري في انجمينا في نظام امتد من إدريس الأب إلى نجله لأكثر من ثلاثين عاماً، وتعلقت هذه الآمال على منافس ديبي الإبن سوكسيه ماسرا الذي كان في السابق معارضاً سياسياً وفرّ إلى خارج البلاد في عام 2022، ولكن تم السماح له بالعودة بعد عام.

مسرحية هزلية

أما الدكتور محمد شريف جاكو القيادي البارز في جبهة التغيير والوفاق المعارضة في تشاد (فاكت) فقد وصف ماحدث في الإنتخابات الرئاسية ونتائجها بـ (المسرحية الهزلية). وقال جاكو لـ ” المحقق” إننا نرى هذه المسرحية منذ مفاوضات الدوحة في مارس 2022، وإن الهدف منها هو تكريس التوريث في البلاد، والتكريس في يد أسرة حاكمة منذ أكثر من ثلاثة عقود، مضيفاً إن ماحدث يشكل خيبة أمل للذين كانوا يعتقدون أن هنالك بصيص من الأمل للخروج من النفق المظلم، وتابع أن غالبية الشعب التشادي يعلمون مسبقاً أن نتائج الإنتخابات تم حسمها قبل إجرائها، وزاد أن الفصل الأول لهذه المسرحية بدأ من الدوحة، والتي لملموا فيها أحزاب وحركات كرتونية وهمية لشرعنة النظام، بشراء ذمم ووعود بالوظائف في المناصب، وتم نقلهم إلى انجمينا وكونوا فريقاً من 500 شخص في ما يسمى بـ (مؤتمر وطني شامل)، متهماً هذه الجهات بتمليك كل مقدرات البلاد إلى ديبي الابن مع صلاحيات الشخصية الأوحد، وقال إنهم بعد ذلك انتقلوا إلى الفصل الأخير بتنظيم الانتخابات، وقدم لذلك 20 حزباً، وتم تصفية هذا العدد إلى النصف تقريباً، بحذف الشخصيات التي لها جماهيرية بواسطة المحكمة الدستورية المصنوعة من الرئيس، وكذلك اللجنة المنظمة للانتخابات المعينة من قبل النظام.

المربع الأول

وبحسب القيادي التشادي المعارض فان تشاد بهذه الانتخابات عادت إلى المربع الأول، وقال إن تشاد عادت إلى منظومة من العنف سواء كان في الداخل أو في الخارج، مضيفاً أنه في الداخل هناك بعض أنصار ماسرا تعرضوا للظلم والقتل في 20 من أكتوبر الماضي، ولم تتم المصالحة ولم يقدم القتلة إلى محاكمة، بل أصدر ديبي عفواً رئاسياً، وكان هناك انتظار للانتخابات لنصرة هذا الظلم على يد هذا النظام، وتصورت الغالبية أن ماسرا هو الفائز الحقيقي ولكن تم سرقة النتيجة، معتبراً أن ذلك يمثل فجوة كبيرة جداً بين الحاكم والمحكوم، وأنه ليس هناك ثقة في الداخل، وقال أما في الخارج فهناك حركات مسلحة موجودة، كانوا قد أعطوا فرصة لحكومة ديبي حتى لا يقال أنه يسير في طريق لملمة الأمور، ولكن الحركات تدخلت وأوقفت هذا المسار، ولذلك أعلنوا وقف إطلاق النار من طرف واحد، لإتاحة هذه الفرصة، مؤكدا أن ديبي فشل في هذا الرهان، وقال إن الحركات المسلحة بالخارج ستتحرك لتقف مع الشعب التشادي لازالة هذا الحكم الظالم الفاسد، على حد قوله.

ميزة كبيرة

من جهته أكد الدكتور حمدي عبد الرحمن الخبير المصري في الشأن الأفريقي أن إعلان فوز محمد كاكا يكتسب دلالة كبيرة . وقال عبد الرحمن لـ “المحقق” إن تشاد أول دولة في حزام الانقلابات في منطقة الساحل التي تحدث بها عملية انتقالية سلمية، ويتم اضفاء الطابع الشرعي على السلطة الحاكمة، معتبراً أن هذه ميزة كبيرة جداً، مضيفاً أن الأمر الثاني يرتبط بأهمية تشاد بالنسبة للحرب على الإرهاب، وهذه مهمة جداً، وكذلك مستقبل القواعد العسكرية الموجودة للدول الغربية، وبصفة خاصة فرنسا، بالإضافة للوجود الأمريكي الذي أصبح يواجه مخاطر من طرد الأمريكيين من النيجر، مشيراً إلى اعتبار تشاد ركيزة للوجود الغربي ومحاربة الإرهاب، وبالتالي استقرار تشاد يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للدول الغربية، وتابع أن الأمر الثالث يرتبط بالانقسامات داخل الأسرة الحاكمة والتي ينتمي فيها الرئيس كاكا إلى قبيلة الزغاوة، موضحا أن كاكا في نفس الوقت أمه من التبو، وأنه بذلك يمكن أن يمثل خليطاُ يؤدي إلى تحقيق مصالحة بين الزغاوة التي تحكم منذ أكثر من ثلاثين عاماً وبين القبائل العربية والتبو والقرعان وغيرهم من التكوينات القبلية في تشاد، ورأى أن من المحتمل أن تكون هذه نقطة تحول كبيرة وأن هذا يتوقف على إمكانية مواجهة الجنرال كاكا للتحديات التي تواجهه.

تحديات كبيرة

وأضاف الخبير المصري إن هناك اضطرابات اجتماعية وانقساماً وضعف توزيع للخدمات العامة، رغم أن الدولة تمثل رقم 10 من حيث احتياطي البترول في أفريقيا، وإن تشاد دولة نفطية، متسائلا فهل يؤدي ذلك إلى تحسين الخدمات العامة في الدولة، مؤكداً أن هذا تحد كبير، مضيفا أن المصالحة الوطنية هي أيضا تحد كبير، لأن المصالحات التي قام بها الجنرال كاكا على مدى السنوات الثلاث الماضية لم تشمل كل مكونات المعارضة المسلحة، فهل ينجح كاكا في عمل مصالحة وطنية تشمل كل فئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والجماعات المسلحة ؟

وتابع بالإضافة إلى إجراء الإنتخابات النيابية بشكل يؤكد على الشفافية والانفتاح وهذا أيضا مصدر تحدي لكاكا، وكذلك ادارة الملف مع الدول الغربية، لأن هناك الآن استقطاب شعبوي معاد للغرب ولفرنسا، وكاكا عندما زار روسيا كان يحاول أن ينوع من خريطة تفاعلاته الدولية، مؤكدا أن كل هذه التحديات سيتوقف عليها مستقبل الحكم في تشاد، وقال إما أن تصبح تشاد عنصر استقرار لأنها محاطة بتوترات وصراعات إقليمية كبيرة في ليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى، بالاضافة إلى أن هناك تمدداً سكانياُ وعرقياً بين السودان وتشاد، فإذا لم تكن تشاد مستقرة سوف تزداد الأمور سوءاً مضيفاً أن من مصلحة الجميع المحافظة على استقرار ووحدة تشاد في ظل هذه البيئة الأمنية البالغة التعقيد في منطقة الساحل وفي ظل تنامي الحركات الجهادية وعودة بوكوحرام إلى منطقة بحيرة تشاد وهذا هو التحدي الكبير.

تحصيل حاصل

واعتبر الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي أن فوز ديبي في الانتخابات مجرد تحصيل حاصل منذ الوهلة الأولى، وأن ذلك كان متوقعا بعلم كل المهتمين بتشاد. وقال تورشين لـ “المحقق” إن ديبي وصل إلى رئاسة المجلس العسكري الذي تولى إدارة البلاد بشكل غير دستوري، وكانت قضية مخالفة تماماً للدستور الذي تم اقراره في السنوات الأخيرة لحكم والده، موضحاً أن الدستور ينص على أنه في حالة وفاة الرئيس يتولى نائبه المسؤولية، وأنه في النسخة السابقة للدستور في حال خلو منصب الرئيس يتولى رئيس البرلمان، مشيراً إلى أنه لم يكن لإدريس ديبي أي نائب، ولم تكن هناك أي استجابة من المؤسسة العسكرية التي تولت الأمر وعينت ديبي رئيساً للمجلس العسكري، وتابع أنها لم تعينه لأنه شخصية عسكرية رفيعة أو أنه يمتلك منصباً رفيعاً وفقاً للتراتبية العسكرية، وإنما عينته باعتباره أنه ابن إدريس ديبي.

خيارات واردة

ولفت الخبير السوداني إلى أن هذه معادلة معقدة شكلت الواقع السياسي التشادي بشكل مباشر، وقال إنه بناءاً على هذا الاختيار استطاع ديبي أن يؤسس لعلاقات وشراكات، معتبراً أن الانتخابات كانت نقطة مهمة لديبي ليتحول من شرعية الانتقال التي بدأت باغتيال والده واستمرت بالحوار الوطني الذي مدد له الفترة الإنتقالية ومن قبل كانت مباحثات الدوحة مع الفصائل المتمردة إلا أنه كان بحاجة لهذه الانتخابات، وتابع أن هذه الانتخابات منحته الشرعية، بالرغم أن منافسه ماسرا تحدث بأنه هو الفائز أيضا، لكن لجنة الانتخابات أعلنت فوز ديبي، متوقعا أن يصل ديبي إلى تفاهمات مع ماسرا ويبقيه في منصبه، وقال إن التحدي الأكبر فيما يتعلق بذلك هو الاضطرابات في تشاد واتجاهها نحو المسار الديمقراطي، مؤكدا أن هذه المسألة لن تأتي بين يوم وليلة وأن النظام وضع شرعيته بطريقة مشكوك فيها، وقال إن هناك مجموعات كبيرة من منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لم تشارك، والأهم من ذلك أن القوى السياسية الممثلة في تحالف القوى الوطنية الديمقراطية (فاكت) لم تشارك وعدم مشاركتها سيجعل الأوضاع في تشاد غير مستقرة، مضيفا أنه في أي لحظة من اللحظات سيكون هنالك اضطراب ومحاولات للاستيلاء على السلطة سواء كان من (فاكت) أو أي مجموعة مسلحة، وبالتالي لا نستطيع أن نضمن أن تشاد في حالة من الاستقرار أو بمنأى عن التحولات والتغيرات غير الدستورية، مؤكدا أن كل الخيارات واردة، مستدركا ولكنها خطوة للأمام ويمكن أن تترسخ وتذهب إذا استطاع ديبي أن يصل إلى تفاهمات سياسية مع المجموعات الحاملة للسلاح.

وتشير “المحقق” إلى أن ديبي قد عين رئيساً انتقالياً من جانب مجلس مشكل من 15 جنرالا في العام 2021 بعد مقتل والده إدريس ديبي إتنو خلال إشرافه على معركة مع متمردين بعد 30 عاماً من الحكم، ووعد ديبي الابن بمرحلة انتقالية إلى الديمقراطية مدتها 18 شهراً، لكنه مددها لاحقا لعامين، ودعا أكثر من 8.2 ملايين للإدلاء بأصواتهم في تشاد، والتي تصنفها الأمم المتحدة على أنها رابع أقل البلدان نمواً في العالم.

القاهرة – المحقق: صباح موسى
المحقق