تساؤلات وشكوك حول عدم دعوة الجامعة العربية لاجتماعات جنيف
تواصل الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطها على الجيش السوداني للانضمام إلى محادثات وقف إطلاق النار في جنيف، وأجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن أمس الأول “الأربعاء” اتصالاً هاتفياً مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، أعاد التأكيد فيه على ضرورة المشاركة في محادثات السلام الجارية في سويسرا لتحقيق التنفيذ الكامل لإعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين في السودان.
مهلة للمشاركة
وفي اجتماعات جدة بين الحكومتين السودانية والأمريكية، كانت قد أمهلت الأخيرة الجيش السوداني فرصة الانضمام حتى الثامن عشر من الشهر الجاري، غير أن الطرف السوداني رفض المشاركة في المفاوضات التي انطلقت الاثنين بالعاصمة السويسرية، لعدم الإستجابة إلى مطالبه المتمثلة في تنتفيذ ماتم الإتفاق عليه في جده في مايو 2023، وتحفظها على وجود الإمارات ضمن المراقبين، وسؤالها حول المبرر من نقل المفاوضات من جدة إلى جنيف.
امتعاض الجامعة العربية
وانطلقت اجتماعات جنيف بحضور أمريكا والسعودية ومصر وسويسرا والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، ولوحظ عدم توجيه الدعوة لجامعة الدول العربية، أحد الأطراف المهمة في حل النزاع السوداني، ومن جانبها امتعضت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في بيان لها أمس الخميس إزاء عدم دعوتها، والتي لم تصل حتى الآن، للمشاركة في الجهد المنطلق في جنيف، هي بمثابة تطبيق لقرار مجلس الأمن رقم 2736 بتاريخ في 13 يونيو الماضي، وأشارت الأمانة العامة في بيانها إلى أن الفقرة الثامنة من قرار مجلس الأمن تنص على التواصل المنسق مع الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية الأخرى للمساعدة في النهوض بالسلام في السودان. وأكدت أن ذلك يعكس الأولوية الكبيرة التي توليها الجامعة العربية لقضايا السلام والأمن في السودان باعتباره دولة عربية هامة وجسراً للتواصل العربي الأفريقي، وأشار البيان إلى أن الجامعة، تتابع بكل اهتمام الجهود والمبادرات الجارية لوقف الحرب الدائرة في السودان وآخرها استئناف مباحثات جدة في جنيف لوقف إطلاق النار، وذلك في إطار التكليف الصادر لها من مجلس الجامعة على مختلف المستويات، وجددت الأمانة العامة التأكيد على تمسكها بثوابت الموقف العربي إزاء ما يجري في السودان، وشددت على ضرورة تناغم التحركات العربية والأفريقية والدولية تحقيقاً للسلام في السودان في إطار من الاحترام الكامل لأمنه وسيادته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية وفي طليعتها القوات المسلحة السودانية، داعية إلى التنفيذ الكامل لإعلان جدة الموقع في 11 مايو 2023.
تساؤلات وشكوك
الضغوط الأمريكية لمشاركة الجيش السوداني، والمناشدات الداخلية والخارجية لضرورة المشاركة، والبناء على بعض النتائج الايجابية التي خرجت بها مباحثات جدة بين الحكومتين، وسرعة الدعم السريع في الاستجابة والحضور، وكثرة مطالبات القوى السياسية المحسوبة على المليشيا بضرورة المشاركة، اضافة إلى عدم دعوة الجامعة العربية، التي تشدد على ضرورة تناغم التحركات العربية والأفريقية والدولية تحقيقاً للسلام في السودان في إطار من الاحترام الكامل لأمنه وسيادته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية وفي طليعتها القوات المسلحة السودانية، والتي تدعو إلى التنفيذ الكامل لإعلان جدة الموقع في 11 مايو 2023، كل ذلك يثير ريبة البعض من هذه المفاوضات، كما يثير التساؤلات حول لماذا منبر جديد، ولماذا السرعة، ولماذا يهرول الدعم السريع للمشاركة، ولماذا تتهافت تنسيقية القوى المدنية “تقدم” على الدعوات للمشاركة، والأهم لماذا لم تتم الدعوة للجامعة العربية، قد يفهم عدم دعوة منظمة الايقاد، لمواقفها المنحازة في الأزمة، في وقت تمت فيه دعوة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، ولماذا حادت أمريكا عن التزامها بضرورة التنسيق بين مبادرات وجهود السلام في السودان في الاجتماع التشاوري في جيبوتي في الخامس والسادس والعشرين من الشهر الماضي بحضور أكبر تجمع للفاعليين الاقليمين والدوليين وبحضور أمريكا نفسها، مع أن كواليس هذه الاجتماعات شهدت صراعا دوليا خفيا بين كل هذه القوى حول رؤية كل منها في حل الأزمة السودانية، ما يعكس مدى الصراع الدولي والاقليمي حول كيفية الحل.
أمريكا أخطأت
السفير صلاح حليمه نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، يرى من جانبه أن عدم دعوة الجامعة العربية في مباحثات جنيف، ربما يعود إلى ميل الولايات المتحدة الأمريكية إلى محور الدعم السريع والامارات وإسرائيل وإثيوبيا. وقال حليمه لـ ” المحقق” إن عدم دعوة الجامعة العربية ربما لعدم ارتياح الجانب الأمريكي لموقف الجامعة في غزة، اضافة إلى عدم تطابق رؤية الجامعة مع أمريكا في حل الأزمة السودانية، مشيرا إلى أن رؤية الجامعة تتلخص في الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية وفي طليعتها القوات المسلحة السودانية، ودعوتها إلى التنفيذ الكامل لإعلان جدة الموقع في 11 مايو 2023، قد لا تتطابق مع الرؤية الأمريكية بشكل كامل، لافتا إلى الجانب الأمريكي قد أخطأ في عدم توجيه الدعوة للجامعة، وقال على أمريكا أن تعالج هذا الأمر، لأن السودان عضو أصيل بالجامعة، مثلما هو عضو بالاتحاد الأفريقي، وتابع من حق الجامعة العربية أن تمتعض من عدم توجيه الدعوة إليها، وعلى الولايات المتحدة أن توضح لماذا هذا الاستبعاد، وطالب الولايات المتحدة بأن تنتهج سياسة متوازنة في علاقتها مع كافة الأطراف المعنية بالشأن السوداني، وقال إن هذا التوجه يزيد من حدة الاستقطاب الإقليمي والدولي.
أفق سياسي
كما رأى حليمة أن مفاوضات جنيف قد يصعب أن تحقق النتائج المنشودة، وقال إن الولايات المتحدة تسعى إلى أن تصل إلى نتائج ايجابية في حل الأزمة السودانية قبل اجراء الإنتخابات الأمريكية، مضيفاً قد تكون هناك فرصة حال حدوث تقدم في معالجة الأوضاع الانسانية، والتي تحتل أولوية على وقف إطلاق النار، وإن ذلك يمكنه أن يجعل القوات المسلحة أن تتجاوز في سبيل تحقيق انجاز على المستوى الإنساني، مؤكدا أن وقف الحرب يستوجب أيضا أن يتوالى معه أفق سياسي لتسوية الأزمة، وقال ينبغي معالجة المسار السياسي، بتواكب مع مساري وقف اطلاق النار ومعالجة الأوضاع الإنسانية، مع حوار سوداني سوداني يتسم بشمولية مكونات المجتمع السوداني لمعالجة الأزمة، مضيفا على أن تتوافق مكونات المجتمع السياسي في هذا المسار على تشكيل حكومة انتقالية ذات كفاءات وطنية، وتابع على هامش اجتماعات الحوار السوداني السوداني، يكون هناك لقاء بين الجيش والدعم السريع شريطة ألا تكون هناك حاضنة عسكرية لطرف سياسي، أو حاضنة سياسية لطرف عسكري، مشدداً على ضرورة فك الارتباط بين القوى السياسية والعسكرية.
عن قصد
من جهته يرى الدكتور أمين اسماعيل مجذوب الخبير الأمني والعسكري أن الإدارة الأمريكية تغافلت أو تناست دعوة الجامعة العربية عن قصد. وقال مجذوب لـ “المحقق” إن الجامعة العربية تقف في خندق واحد مع السودان في مواجهة الغزو الخارجي بمسماه الأصلي، وليس تمرد داخلي، مضيفا أن الجامعة أدركت المؤامرة مبكراً وعبرت عنها كثيراً في اجتماعاتها الخاصة بالأزمة السودانية، وتابع ولذلك كان هذا التغافل وعدم الاهتمام بدعوتها إلى مؤتمر جنيف، معتبرا أن الولايات المتحدة أخطأت خطأ كبيراً وأنها ستدرك مستقبلا أنها أخطأت، وقال إنها ستدرك مستقبلا أنها أخطأت عندما تأتي إلى الترتيبات الخاصة بالاعمار وترتيب البيت الداخلي سياسيا، سترى أنها في حاجة ملحة إلى مشاركة جامعة الدول العربية، لافتا إلى الدور الذي قامت به مصر باستضافة القوى السودانية بمؤتمر القاهرة قبل أسابيع، وقال إن هذا المؤتمر كان له أثر كبير في نجاح الاجتماعات اللاحقة في أديس أبابا التي رعتها الآلية رفيعة المستوى في الاتحاد الأفريقي، كما رأى أن عدم الدعوة هو محاولة للالتفاف حول تسمية الأزمة السودانية بطريقتها الصحيحة، موضحا أن تسمية الأزمة الصحيح هو الغزو الخارجي ومحاولة التغيير الديموغرافي، ومحاولة إلباسها ثوب التمرد أو الاختلاف أو الصراع على السلطة في السودان.
القاهرة – المحقق- صباح موسى