جعفر عباس

220 غرفة لا تغرف الأحزان


[JUSTIFY]
220 غرفة لا تغرف الأحزان

(تضطرني ظروف طارئة وقاهرة إلى نشر مقالات سبق لي نشرها هنا عام 2006، فالمعذرة، على أمل استئناف سلسة «مهن ومحن» قريبا إن شاء الله)
قرأت ملخصا لقصة حياة جريس كيلي أميرة موناكو، التي كانت ممثلة مشهورة في هوليوود ثم تزوجت بالأمير رينيه في عام 1956، وعاشت في دائرة الضوء طوال عمرها إلى أن توفيت في حادث سيارة عام 1982، ولست معنيا بقصة حياتها أو مماتها لأن سير وحكايات هذا النوع من البشر لا تستهويني، ولكن استوقفتني معلومة صغيرة جاءت في الملخص الذي قرأته، وهو أنها عاشت في موناكو في قصر به 220 غرفة ونحو 180 حماما ودورة مياه، ونعرف عن موناكو أنها إمارة كلها فرفشة دون ضوابط أخلاقية أو قانونية، ومصدر الدخل الأساسي للإمارة يأتي من القمار والهشك بشك، كما أنها وكر معروف للجواسيس الذين يصطادون رواد الإمارة من رجال السياسة والصناعة، وعلى الرغم من أنها كانت تعيش في قصر عدد غرفه أكثر من الشعرات السوداء في رأس أبي الجعافر، إلا أن كاتب سيرتها الذاتية، راندي تارا بوريللي، يقول إنها كانت تحس بالعزلة والتعاسة والوحدة!! وهنا بيت القصيد أيها القارئ الذي لا يعرف «الحمد لله»!! ما عليك أن زيدا الذي يعمل معك في المكتب نفسه ويتقاضى الراتب نفسه بنى فيلا من ثلاثة طوابق وبها جاكوزي وكراج يتسع لتسع سيارات وأن أثاث بيته كله من إيطاليا أو كمبوديا، بينما أنت تعيش في شقة مؤجرة من غرفتين والموكيت فيها يعاني من الصلع، وبلاط الحمام مصاب بالأكزيما ويعاني من تشققات لأن مالك العمارة اللئيم امتنع عن صيانة الشقة ليرغمك على إخلائها.. من أدراك أن زيداً هذا ربما كان على استعداد للانتقال إلى شقتك البائسة إذا كان يضمن أن يجد فيها راحة البال؟ ربما يحسدك على أن شقتك تشقشق بفرح عيالك ومرحهم كلما دخلت عليهم بسندويتشات الشاورما التي تشتريها بسعر التكلفة بينما بيته بكل بهائه الخارجي في نظره سجن كئيب بالداخل!
راحة البال والسعادة لا تكمن في البيت الفاخر أو السيارة الفارهة أو الرصيد البنكي ذي الأصفار العديدة.. أذكر أن بيتنا الذي قضيت فيه طفولتي كان بائسا بمقاييس كل الأزمنة: لا ماء مصفى ولا كهرباء.. المعزة تنام على بعد كذا متر من سريرك.. العقارب تتحرك في كل ركن في الأمسيات، والدجاج يتجول داخل الغرف ويخلف وراءه أشياء مقرفة لأنه يعاني من التهاب القولون، والوجبات خالية في معظم الأحيان من اللحم، ولم يكن مفهوما لماذا يحرص أهلنا على تربية الدجاج طالما أنهم لم يكونوا يقدمون لنا البيض ما لم يأتنا ضيف «خمسة نجوم»، لم تكن هناك بيتزا أو بيرغر، ولا كورن فليكس، ولا حتى شرائح جبن، ومع هذا كنا ننام فور وضع رؤوسنا على المخدات المحشوة بملابسنا القديمة، لأن يومنا بطوله كان فرحا ومرحا وشقاوة، وحياتنا لا يعكرها أن فلانا لديه تلفزيون 90 بوصة، أو أن سيارتهم طولها تسعة أمتار، كان الطعام القليل المتاح شهيا ويملأ بطوننا، لأنها، أي البطون، كانت مبرمجة على القناعة.. لم نكن نحسد شخصا لأن لديه هذا الشيء أو ذاك، وبالتالي لم نكن نحس بالحرمان أو الدونية،.. وأعترف أنني كنت مغرورا بعض الشيء لأنني كنت أذهب إلى المدرسة على ظهر حمار فُل أتوماتيك، أي كان يعرف طريقه من وإلى المدرسة دون حاجة إلى توجيه أو ضرب أو تعشيق! ولم أحس عندما اشتريت أول سيارة جديدة بالفرح الطاغي الذي غمرني عندما صار عندي حمار «فور كوارع»!
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]