رأي ومقالات

رصاصاتهم في قلب الحقيقة

*أي مدافع عن ميليشيا دقو ــ التي لم تدع باباً لكراهيتها إلا وفتحته على مصراعيه، ولا باباً لقبولها إلا وأحكمت إغلاقه، ولا حقيقةً إلا داستها ــ سيضطر، بالتأكيد، للانفاق على الدفاع من “مصداقيته” لا من “حججه”!*

* *بحديث الميليشيا عن الرصاصات الأولى التي اعتدت عليها، وبتكرار أعوانها لهذه الفرية بشكل يومي، وتحولها إلى “لازمة” لا يبدأ الإعلاميون المنحازون للميليشيا حواراتهم مع أعوان الميليشيا إلا بها، دون الخوض في إثباتها، وإنما فقط تثبيتها ثم البناء عليها. بكل هذا، أرادوا جر الناس إلى جدلٍ يصرف أنظارهم عن حقيقة أن ما حدث كان انقلاباً دموياً يسيطر القائمون به على السلطة بضربة خاطفة، بعد أن يحيدوا المطارات العسكرية التي يمكن أن تقاوم الانقلاب، وتحول، بعد فشله، إلى حرب انتقام وتدمير.*

* *وقد أفلحوا نسبياً في صرف أنظار الناس عن الانقلاب الدموي، وجرهم إلى أن ما حدث كان تخطيطاً لحرب، ليكون السؤال هو: من اتخذ قرارها وبدأها؟ لكنهم مع ذلك فشلوا تماماً في إقناع الناس ببراءتهم من إشعال الحرب، إذ لا يتحدث عن هذه البراءة إلا هم والميليشيا والإمارات!*

* *ولو تمعنوا في الأمر سيجدون أنهم، بهذا التزييف، قد ضاعفوا مسؤوليتهم، لتكون عن قرار أخطر هو الحرب حرب تدميرية، وليس فقط عن انقلاب تحول، بالتداعي غير المقصود، إلى حرب دموية. فتحشيدهم لقواتهم كان علنياً وكبيراً، وكان الجميع يعلمون أن له ما بعده، مما يتناسب مع حجمه من حيث حجم القوة والتسليح، وما بعده هو ما نقلته سلسلة تصريحات “البديل للإطاري هو الحرب”، وما كان لهم أن يقولوا “البديل للإطاري هو الانقلاب”، فما يمنع ذلك مفهوم!*

* *لم يقدم أعوان الميليشيا دليلاً على براءة الدعم السريع من الانقلاب الدموي، ومن تحويله إلى حرب تدميرية سوى حديثهم عن مكالمات تلقوها من عبد الرحيم دقلو ينقل لهم فيها روايته لما يجري. الاستناد على مكالمات عبد الرحيم دقلو ليس مجرد ضعف في الحجة، بل هو إثبات سلبي. أي أن غياب أي بينة موضوعية جعلهم يحولون الرواية الذاتية لدقلو إلى “شهادة نفي” عن نفسه، وهو أقبح وأضعف أشكال مغالطة “المصادرة على المطلوب”!*

* *وفي قضية مطار مروي لم يجدوا روايةً من دقلو ليدعموها، فتناسوا عمداً بيانه الكاذب عن “تنسيق” التحرك مع الجيش، لغرض “مكافحة الجريمة”، واخترعوا حججاً في غاية التهافت إلى درجة أن فحصها يثبت أنها تدين الميليشيا من حيث أرادت العكس، تبارى في صياغتها خالد عمر وجعفر حسن وبكري الجاك، وهي تتناقض تماماً مع حديث حميدتي في أول يوم للانقلاب: “قررنا احتلال المطارات لأنو فيها الطائرات التي يضربونا بيها”!*

* *حديث حميدتي في الساعات الأولى لهجوم قواته على الوحدات العسكرية والمؤسسات السيادية كان يتناقض بصورة جذرية مع أحاديث أعوانه، فقد كان حديث انقلاب/ سيطرة كاملة على السلطة قال إنه تبقى ئفقط لاكتمالها قتل أو خطف رأس الدولة، وأنه لا يقبل منه إلا “الاستسلام”، فهو محاصر تماماً، وسيصلون إليه خلال ساعات، ولم يكن حديث شخص فوجيء بهجوم، ويقوم فقط بصده!*

* *إرادة الدفاع عن الميليشيا، لا إرادة الحقيقة، هي ما يحرك أعوانها، فالخيط الناظم لأقوالهم هو ترويج روايات الميليشيا، ومحاولات سد ثغراتها. ينطبق هذا على كل مراحل الحرب وقضاياها: غزوة مطار مروي، غزوة الخرطوم، احتلال البيوت، الإرهاب، مقاومة الإرهاب، الراعي الإقليمي، التفاوض، قضايا التفاوض، العملية السياسية التي تواكبه، دور الميليشيا في “تصميم” هذه العملية، ومطالبة المواطنين بعدم دعم الجيش، ومطالبتهم بتبني “الحياد” تجاه الميليشيا التي تهاجمهم في مدنهم وقراهم وبيوتهم، إن تعذر تأييدها.*

* *ضعف منطقهم فيها كلها، والتناقض الكاشف الدال، هو السمة المميزة. مثلاً، ذات الذين تبرعوا للميليشيا بعذر “مقاومة مظالم تاريخية” وقعت على من تدعي تمثيلهم، عادوا وحرَّموا على المواطنين أي شكل من أشكال “مقاومة المظالم الآنية” المقصودة المباشرة التي تستهدف أرواحهم وأعراضهم وأموالهم!*

* *من صوروا المليشيا كمعتدَىً عليه، ولم يدعموا التصدي لعدوانها، وتجاوزوا ذلك إلى مهاجمة المتصدين، وإلى التعويل على نصيبهم من مكاسب الميليشيا من التفاوض، سيرون في كل تحرير لمنطقة نكسة، وفي كل عودة لمواطن إلى بيته، بلا تفاوض، خسارة، وفي كل صدٍ لعدوان على منطقة آمنة خيبة أمل! .. هذا ليس اتهاماً، هذا هو قانون الاتساق، هو المنطق!*

*كل رصاصة يطلقونها على الحقيقة لا تزيدها إلا صلابة، ولا تزيدهم إلا افتضاحاً، ليظل انقلابهم هو الجريمة الأصل، وحربهم هي الجريمة التي فضحت الأصل وأدانته مضاعفاً.*

إبراهيم عثمان