حربٌ غذتها خطابات الكراهية: سقوط السودان في فخ التشرذم

خلصت مدونة “صدى”، وهي مجلة إلكترونية تابعة لبرنامج كارنيغي للشرق الأوسط، و التي تقول إنها تسعى إلى تعزيز وإثراء النقاش حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الرئيسية في العالم العربي، وتوفر منصةً للأصوات الجديدة والمخضرمة لتقديم تحليلات تأملية حول هذه القضايا، إلى أن خطاب الكراهية هو المصدر الرئيس الذي سيظل وقوداً يزكي أوار الحرب في السودان.
وأشارت المدونة في ملخص مقال هو أقرب للدراسة الأكاديمية للباحثة “سمر سليمان” إلى أن الحرب التي دمرت كل مناحي الحياة في السودان، مخلفةً وراءها أزمة إنسانية وصحية هائلة تتطلب من الدولة السودانية، منعاً لانهيار وطني شامل، العمل علي استعادة التماسك والتوازن المؤسسي الذي كان السودان يتمتع به سابقًا – قبل أن يتجذر التشرذم والانقسامات فيه.
ونبهت المقالة إلى أن ضعف مؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية فيه سمح لخطاب الكراهية بالازدهار دون رادع، في حين شجع غياب المساءلة والردع القانوني مروجيه إلى التمادي. وبالمثل، أدى تراجع الأحزاب السياسية والنقابات – التي كانت مسؤولة في السابق عن تنمية المشاركة المدنية والوعي الديمقراطي – إلى تآكل الأطر التي توحد المجتمع. كما أدى غياب التنمية العادلة إلى تعميق الاستياء بين الفئات المهمشة، مما أدى إلى تأجيج مشاعر الإقصاء والكراهية التي تهدد الآن نسيج السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية.
ويؤكد التحليل أن مواجهة خطاب الكراهية يتطلب تفعيل وتمكين مؤسسات الدولة – وخاصة القضاء والنظام التعليمي – إلى جانب تقوية الأحزاب السياسية والنقابات، وتنظيم قنوات الاتصال، وتعزيز ثقافة الخطاب المتوازن والمصالحي و أنه يجب دعم هذه الجهود بإرادة سياسية حقيقية وتعاون وثيق بين مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام والمجتمع المدني.
وتقول الدراسة أنه يجب السعي لتهيئة بيئة إعلامية مسؤولة تنقل الحقيقة دون تحريض، ولترسيخ الحوار كبديل أساسي للعداء. والأهم من ذلك كله، يجب تبنّي السلام ليس مجرد شعار، بل ثقافة حية تمشي بين الناس.
ويوكد التحليل أن التصدي لخطاب الكراهية في السودان يتطلب رؤية شاملة تتجاوز الإجراءات الأمنية أو التشريعية لمواجهة الجذور الاجتماعية والسياسية العميقة التي تدعمه. فالكراهية لا تنشأ من فراغ، بل تولد من رحم التهميش المزمن، وصراعات الهوية التي لم تُحلّ، وعقود من سوء إدارة التنوع. لذلك، يجب أن يبدأ العلاج بتعزيز قيم المواطنة المتساوية والاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي كمصدر قوة لا كتهديد.
وتشدد الدراسة بأن لوسائل الإعلام دور حاسم في التمسك بالمعايير المهنية، والتغطية الإعلامية المسؤولة، وتجنب الخطابات التي تُعمّق الانقسام أو تُثير العداء. ولا تقل أهمية جهود المجتمع المدني، التي يجب أن تُعزز ثقافة الحوار والتسامح مع مراقبة منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت أدوات قوية لنشر الكراهية.
ولكي تنجح هذه الجهود – يقول التحليل – يجب على الدولة تعزيز سياسات تعليمية وإعلامية طويلة الأمد تُعزز الاحترام وتُعلي من قيمة التنوع،
إن مكافحة خطاب الكراهية ليست مجرد معركة كلامية، بل هي معركة وعي وبناء أمة.
و تنبه إلى أنه يجب أن تكون هناك تغطية مسؤولة للنقاشات الحساسة، ورصد فعّال للمحتوى الذي يُحرض على الكراهية أو يُديم الانقسام، وسنّ تشريعات واضحة تُجرّم التحريض العرقي والجهوي وأنه يجب محاسبة المنصات العامة على المواد التي تنشرها، بينما يتواصل الاستثمار طويل الأمد في التعليم كضرورة لترسيخ قيم السلام والمواطنة في المجتمع كما ينبغي أن تُعزز المناهج التعليمية التنوع، وتُتحدى الصور النمطية، وتُفكّك الأحكام المسبقة التي تُغذّي خطاب الكراهية بين المجتمعات.
وتشير المقالة في ختامها إلى أهمية أن تظل المصالحة الوطنية الشاملة الإطار الأهم لأي حل دائم إذ إنها السبيل الوحيد القادر على استعادة الثقة بين مختلف مكونات المجتمع السوداني الاجتماعية والسياسية، وتجديد شعور المواطنين بالانتماء المشترك إلى وطن واحد – وطن لا تُحدّده النزعات الإقليمية أو الولاءات الفئوية.
“لذا، فإن مكافحة خطاب الكراهية ليست مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة وطنية لوحدة السودان وأمنه. فالكلمات التي تُشعل الحروب قادرة على زرع بذور السلام، والإعلام الذي كان يُضخّم الانقسام، قادرٌ، من خلال المسؤولية والنزاهة، على أن يصبح قوةً للتعافي والمصالحة”
وتضيف “عليه، فإن مواجهة هذا التحدي لا تقتصر على الإصلاح القانوني أو الرقابة الإعلامية فحسب؛ بل تتطلب تحولاً ثقافياً شاملاً يُعيد تعريف مفهوم “الآخر” في الوعي السوداني فالكراهية ليست مجرد خطاب، بل هي بناء فكري نشأ من الإقصاء والتهميش. وستبقى قائمةً حتى يُبنى عقد اجتماعي جديد – عقدٌ قائمٌ على المواطنة والمساواة والاعتراف بالقيمة الجوهرية لكل إنسان، متجاوزاً أي انتماء قبلي أو عرقي أو إقليمي.”
واشنطن – المحقق






