رأي ومقالات

بين الدبة و الفاشر

قريب لنا من بري المحس حدثني أن والده كان تاجرا كثير الأسفار حين كان السفر و التنقل شاقاً بين أطراف السودان و كان يمكث سنوات في كل منطقة و يحصن نفسه بالزواج، و عندما يغادرها يطلق زوجته بعد أن يترك لها ما تعيش به و أولادهما مكرمين من مال و منزل.

كان قريبي يقول أنه في كل سفرة له يبحث عن قوائم بأسماء منشورة لأهل البلد سواء لخطط سكنية أو قبول طلاب للدراسة و قال أنه كان في أحيان يجد أخ له و تنشأ علاقة له مختلفة بالمنطقة و قال أن آخر مدينة زارها و وجد فيها أخاً له هي الفاشر.

سكرتير التحرير الذي تدربنا علي يديه في الصحافة عمل في السجون قبل الصحافة و كان دائما يفخر و هو يذكر عمله في سجن الفاشر و العلاقات التي ربطته بأهل المدينة .

الطبيب الإنسان أخصائي النساء و التوليد المشهور تادرس سمعان كان كثير الحديث عن عمله أول عهده بالطب في مدينة الفاشر التي يذكرها بكثير من المودة و الشوق .

كل هؤلاء الذين جمعتهم روابط بالفاشر حتما سيكون بين الذين نزحوا إلي الدبة في شمال السودان من له صلة بهم .

الفاشر هي عاصمة دارفور و بين أهلها و سكانها من جاءت به الوظيفة و الرزق من كل فيافي، و أهل دارفور و منهم من استوطن بها ، إنها مدينة جامعة و هي مدرسة للتعايش و الإنصهار بين أهل السودان جميعاً

الفاشر و مدينة تمبكتو في مالي هما منارات العلم و أعمدة الإسلام في المنطقة و هي صاحبة المحمل إلي بيت الله الحرام .

أهل هذه المدينة التليدة الذين لم يجدوا مهرباً هم اليوم بين يدي من نزعت من قلوبهم الرحمة و من لا يعرفون قيمة الإنسان السوداني .

أهل الفاشر الذين خرجوا منها و تمكنوا من الفرار هم اليوم بين أهلهم في مدينة الدبة في شمال السودان حيث فتحت لهم القلوب و الصدور قبل الأرض و الموائد و تسارع الناس ليكونوا عونا لهم .

منعوا من إيقاد النيران لأنهم لن يحتاجوا لصنع طعام و هم ضيوف علي أهلهم .

لم يحتاجوا لتصلهم المعونات من خارج السودان و لن يحتاجوا .

الدبة و الفاشر هما عنوان لرؤية السودان للرباعية .

إنهما تقولان لها أن الذين يفتكون بأهل الفاشر الذين بقوا فيها و ذاقوا الأمرين منهم هم أقوام لا يقبل أهل السودان التعايش معهم فهم قوم من القتلة و سفاكي الدماء .

إن الفاشر و الدبة تقولان للرباعية أن السودان كله مترابط متماسك ينصر بعضه بعضا و يلجأ بعضه إلي بعض لا يشذ عنه غير هذه القوة الغادرة، و أن السودان قادر علي أن يحسمها لتنعم كل أرجائه بسلام محروس بقوته و ليس بعهود تنسج من خارجه مع الذين لا عهد و لا أمان لهم .

راشد عبدالرحيم