وفي مكتبتي أهرب من التعب بالقراءة… القراءة في أي كتاب تقع عليه يدي.
…
قال:
الإمام السيوطي يلقاه يهودي، واليهودي يقول له:
– يا شيخ… تقولون إن الدنيا هي سجن المسلم، وإنها جنة الكافر؟
قال السيوطي: نعم.
قال اليهودي: فانظر إليّ، وأنا فقير ممزق متعب عجوز مريض، وأنت في الصبا والثراء والنعيم.
قال السيوطي:
ما فيه أنا – وأنا مسلم – هو الشقاء بالنسبة للنعيم الذي ينتظرني…
وأنت ما فيه الآن مما تعتبره شقاء هو الجنة بالنسبة للعذاب الذي ينتظرك…
…
أشهر قصة قصيرة عن فراغ الحياة من أي معنى قصة يكتبها روسي:
كتب:
“كنت يومًا أمشي ووجدت قطعة ذهبية… بعدها في سنوات عمري كنت أمشي وعيوني لا ترتفع عن الأرض…
حصيلتي حتى الآن هي خمس دبابيس… ساعة قديمة… ثلاث دراهم… وظهر منحنٍ… ونظر قصير… وحياة بائسة…”
وتقع يدُنا على غسان كنفاني… وكأنه يحذرنا من التفاوض مع العدو.
كنفاني يقص قصة عجوز فلسطيني يعبر الحدود بعربة (برميل ماء) كل صباح إلى داخل إسرائيل، ويتودد إلى الجنود الإسرائيليين، فيسمحون له بالعبور…
والفقر الكاسر يرغم الشباب العرب على العبور إلى داخل إسرائيل… والعبور محرّم عليهم.
ويومًا يدخلون داخل الصهريج، والبقاء هناك دون هواء ممكن لدقائق تكفي للعبور… والعجوز بالفعل يصل إلى البوابة…
وهناك الجانب الآخر للتقارب مع العدو: تقارب يكشف عن حقيقته…
فعند البوابة، الجنود الإسرائيليون يركبون (صديقهم) العجوز هذا بالدعابة والمعاكسات والأسئلة…
والعجوز الذي يعرف أن الشباب في الصهريج يختنقون يحاول المرور دون فائدة… والأمر يطول…
وأخيرًا يتركونه يعبر…
ويسرع مبتعدًا…
ويفتح الصهريج… ويجد أنهم قد ماتوا…
كنفاني يقول: إن كل تقارب مع العدو حصاده هو هذا.
…
وتقع يدنا على قصة صغيرة فيها:
صبِيّ المدرسة يجلده المعلم بقسوة، والصبي الذي لا يستطيع الانتقام يتخيل أنه مات من العقاب هذا… وأن الناس يحملونه باكين… ويلعنون المعلم… والمعلم يجثو باكيًا نادمًا…
وأنه – الصبي – يرقد في نعشه مستمتعًا بالعظمة هذه.
الكثير جدًّا من الناس تصورهم للموت هو هذا…
ساعة في المكتبة… بعيدًا عن الألم.
إسحق أحمد فضل الله

