يظل المنهج العلمي أفضل وأقصر الطرق لمعالجة كافة مشاكل الحياة وقضاياها المختلفة.. ويحتفظ العلماء والباحثون بالدور الأكبر والأخطر إن لم يكن الأوحد في هذا المجال.. وسودان ما بعد الحرب الذي يختلف كثيراً عن سودان ما قبل الحرب في أمسّ الحاجة لجهود العلماء والباحثين لاستشراف الرؤى المستقبلية على هدي وبصيرة يمتزج فيها جهد العالم والباحث بعرق الخبير والممارس.
ومن أجل المساهمة العلمية البصيرة لمعالجة مشاكل السودان وقضاياه.. وتحت عنوان (سودان ما بعد الحرب.. رؤية استشرافية) نظمت جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم بمدينة ود مدني، مؤتمرها العلمي العالمي الخامس في الفترة من 23 إلى 24 نوفمبر الحالي .. حيث قُدّمت في المؤتمر 46 ورقة علمية نوقشت على مدى يومي المؤتمر في 10 جلسات علمية كتبها علماء وباحثون من جامعات معظم الولايات السودانية ومن خارج السودان.
وقد شرّفني الدكتور عمر حسن نائب رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر بالدعوة لحضور المؤتمر وذلّل مشكورا كل الصعوبات للمشاركة.
منذ البداية أكّد القائمون على أمر المؤتمر أن نقاش القضايا والأوراق سيراعي الناحية العملية وليس فقط النظرية وصولا إلى توصيات عملية قابلة للتنفيذ.. ووالي الجزيرة الذي خاطب الجلسة الافتتاحية أكّد أن حكومة الولاية ستتبنى كل توصيات المؤتمر فيما يليها.. لذلك سادت الروح العملية في النقاشات وظهر أثر ذلك في التوصيات.
توزعت مجالات البحوث والأوراق بين المحاور الدعوية والتربوية والتعليمية والصحية.. ودون الانتقاص من باقي المحاور فإن المحور الأمني والعسكري كان أهم المحاور لعدة أسباب منها أن هذا المحور أوثق صلة من غيره بموضوع الحرب نفسها وبالتالي بعنوان المؤتمر.. كما أن المؤتمر نفسه قام بالتعاون بين الجامعة والمقاومة الشعبية بولاية الجزيرة.. وقضايا هذا المحور كانت ساخنة ومُلحّة وبارزة أكثر من غيره من المحاور.. على أهمية الجهود التي بُذلت في بقية المحاور.. وكلها تناولت بصورة ممتازة قضايا استشراف المستقبل لسودان ما بعد الحرب.
لفت نظري في هذا المحور مشاركة المدنيين والعسكريين في تقديم الأوراق ورئاسة الجلسات في تناسق تام وتعاون مكتمل دون حساسيات أراد بعض (الموهومين) زرعها بين المدنيين والعسكريين.
اتّسمت نقاشات هذا المحور بطريقة جمعت بين السخونة والعلمية والواقعية في آن معا وتحدثت حتى عن المسكوت عنه بحرية تامة وواقعية ملحوظة يظللها الحرص على وطن معافى لا تتكرر فيه أخطاء الماضي ويمضي الجميع إلى مستقبل مشرق لا مكان فيه للعملاء والمتمردين مسنود بوعي الجماهير التي أدركت قضيتها بوعي وتجاوزت إفك المفترين وتخليط المأجورين وعمالة المرتبطين بدوائر إقليمية ودولية اتضح جليا أنها لا تضمر خيرا للسودان وشعبه..
ولعله من باب تأكيد المؤكد ونافلة القول أن سودان ما بعد الحرب لن يكون كسودان ما قبله وأبرز ما في ذلك أن أعداء الشعب وأبواق التمرد واتباع أولياء النعمة من القوى الإقليمية والدولية المتربصة بالسودان قد تم كشفهم تماما وتحطمت أوهامهم على صخرة الوعي العام للشعب السوداني الحصيف المعلِّم.
كل الأوراق والتوصيات تستحق أن تُطبع في كتيب واحدة أو كتيبات منفصلة وألا تظل حبيسة الأدراج.. لكني أرجو من إدارة الجامعة والمقاومة الشعبية وولاية الجزيرة أن تحرص على طباعة أوراق وتوصيات المحور العسكري والأمني وتمليكها للجماهير مساهمة في زيادة الوعي وتحصينا من تكرار الأخطاء.. نسبة لخطورة هذا المحور وارتباطه الوثيق كما ذكرنا بموضوع حرب الكرامة التي لا تزال تدور رحاها..
وربما تكون لنا عودة لإلقاء مزيد من الضوء على أوراق وتوصيات المؤتمر بعد هذا العرض العام إن شاء الله.
لا يفوتني أن أشيد بالجهد الكبير في الحرص على إنجاح المؤتمر والحضور الأنيق للأستاذ الدكتور محمد عبد الله سليمان مدير الجامعة ونائبه الأستاذ الدكتور برير سعد الدين وأعضاء اللجنة العلمية ولجنة الخدمات.. وكل من ساهم في إخراج هذا المؤتمر بهذه الصورة العلمية والعملية المُشرّفة.
حسن عبد الحميد
