العميل سلك وآخرين

العميل سلك وآخرين
التسابق على العمالة وبيع الذمم مهنة قديمة وسمة يشتهر بها الخونة. فرخيص الضمير يعرض نفسه في أسواق الارتزاق مكشوفا مظهرا سوآته، لعله يجد من يعجب بمفاتنه وإمكانياته الارتزاقية. يتفاخر بمواقفه ويتطرف بجرأة الكاذب وبإلحاح الطالب وصاحب الدين. ورخيص الضمير يغار كما تغار المرأة على زوجها، يخشى أن يستبدله مشغله ويأتي بمن يسبقه جرأة وخيانة. يتقرب بخيانته إلى أسياده ويتسابق لإعلان عمالته بلا حياء..
في خمسينات القرن الماضي، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، استخدمت أمريكا بعض زعماء أمريكا اللاتينية ليكونوا سدا منيعا ضد الغزو الشيوعي. رسخت دعائم الحكم الديكتاتوري في تلك البلدان، ودعمت رؤساء ذبحوا مواطنيهم تحت غطاء محاربة المد السوفييتي. لكن سرعان ما استبدلت أمريكا نفسها هؤلاء الزعماء المطيعين الخاضعين بزعماء جدد أكثر طاعة وخيانة وخضوعا. ومن هؤلاء الرؤساء الديكتاتور النيكاراغوي أناستاسيو سوموزا، الذي بلغت طاعته وولاؤه لأمريكا حد أنه تعهد بقتل كل مواطن نيكاراغوي يقف أمام مصالحها في بلاده. وكعادتها في التخلي عن حلفائها من الخونة ورغبتها في تجديد أتباعها، طالبته بالاستقالة وإفساح المجال لخائن جديد يبرز مهاراته في التبعية والخيانة. فانزعج سوموزا من مطالب أمريكا التي تتخلى عن عملائها وقال مقولته الشهيرة إن أمريكا تعامله كزوجة قديمة، بينما يفضل أن تعامله كخليلة صغيرة! وطالبها بمنحه فرصة لإثبات خيانته وولائه لها. لكن حياته انتهت بالقتل على يد أحد المواطنين الغاضبين من نهجه الديكتاتوري وخيانته الوطنية..
في السودان الوضع ليس مختلفا فسياسي وإعلامي الخيانة يتبارون في تقديم العمالة، ويتنافسون في أيهم يعجب كفيله أكثر. يعرضون خدماتهم ويتفننون في طرق عرضه، هذا يخرج في لايف وذاك يكتب مقال وآخر يشتم الجيش. كلهم يسعون لأن يكونوا الخليلة الصغيرة، ولا أحد فيهم يريد أن يكون الزوجة القديمة حتى لا يستبدل..
حميدتي يعرف أنهم أوغاد، ولكنهم أوغاده طالما يخضعون لإملاءاته. أوغاد بمنطق أمريكا نفسها في التعامل مع سوموزا حين قالت He might be a sob but he is our sob، وترجمتها أنه ربما يكون وغد لكنه وغدنا نحن، فحميدتي يدرك أنهم أبناء الدرهم وأحباؤه، يعشقون الخيانة والعمالة ويتفاخرون بها، ويعرف أنهم سيظلون أوفياء لجزلانه.لا يمنعهم من مواصلة خيانتهم إلا استبدالهم بمن هو أكثر خيانة منهم..
ستستمر فصول الارتزاق والخيانة، وسيتواصل صعود العملاء وسقوطهم. فسنة التاريخ علمتنا أن العملاء يصعدون ويتكسبون ببيع ذممهم وأوطانهم، لكن عندما يأتي وعد الله يتساقطون كأوراق الشجر ويهربون كاللصوص المطاردين. رأيناها في إيران وفي أفغانستان ومؤخرا في السودان. فمعركة الشعب في محاربة العملاء واسترداد سيادته مستمرة لن توقفها الجزالين الكبيرة ولا الدراهم الكثيرة.

حسبو البيلي






