ما بعد أوكرانيا: هل يفرض ترمب شروطه لإنهاء الحرب السودانية ؟
مع تكثيف ترامب جهوده لإنهاء الحرب في أوكرانيا، يبدو تفاؤله بإمكانية “إخماد نيرانها” مقروناً بمسار حل يتجه بوضوح لتلبية الشروط الروسية الجوهرية. ويتمثل هذا المسار، كما يبدو للمتابعين، في: الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، وتسوية وضع دونباس (التي تشكل حوالي خمس مساحة أوكرانيا) لصالح موسكو، وفرض قيود مستقبلية صارمة على حجم وتسليح الجيش الأوكراني لاستبعاد أي تهديد محتمل لروسيا، والموافقة على بقاء أوكرانيا (ما تبقى منها) خارج حلف الناتو بشكل دائم، مع السماح لها بانضمام محتمل للاتحاد الأوروبي.
أما الأمر الذي يهمنا في السودان مباشرةً، فهو أن نجاح ترامب في تحقيق صفقة سلام أوكرانية – إن حدث – سيفتح الباب أمام تحرك مماثل حاسم على الجبهة السودانية. فمن المرجح أن يلقي الرئيس الأمريكي حينها بكل ثقله الدبلوماسي والعسكري لوقف الحرب السودانية، سعياً وراء تعزيز فرصه في الفوز بجائزة نوبل للسلام، ليحذو حذو سلفه باراك أوباما الذي نال الجائزة في وقت مبكر من ولايته.
لكن الشيطان يكمن في التفاصيل هنا أيضاً. فقد يأتي تدخل ترمب على نمطين متناقضين:
نمط بناء: قد يفرض صفقة سلام معقولة بمقياس الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ووحدتها وسيادتها على أراضيها، وتوفير مدخل لحل سياسي شامل وجذري للأزمة. وكما يقول السادة المتصوفة إن الرب يضع البركة حيث لا تحتسبون.
نمط هدنة مؤقتة تفتح باب الشيطان يكتفي فيها ترمب بفرض صيغة سلام قصيرة النظر من نوع “أمسك لي واقطع ليك”. مثل هذه الهدنة المؤقتة ستكون كارثية، إذ ستوفر لميليشيا الدعم السريع وحلفائها من الغزاة فرصة ثمينة لإلتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم صفهم، استعداداً لعودة أشد ضراوة إلى ساحة القتال، بهدف استتباع الدولة السودانية.
لا شك في إستحالة هذا نجاح الاستتباع فهذا الشعب السودان البطل لحمه مر ولا شك أن الحلف الجنجويدي لفي خسر ولكن السؤال الوحيد يتعلق بمدي الكلفة التي على الشعب السوداني أن يدفعها قبل أن يذهب المشروع الجنجويدي و كرزاياته من بني جلدتنا إلي مزبلة التاريخ.
يصعب التكهن بدقة بالمسار الذي سيسلكه ترمب، فهو شخصية غير تقليدية وحساباتها متغيرة. ومع ذلك، فإن دخول أطراف إقليمية فاعلة بثقل المملكة وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على خط الوساطة – إضافة إلي ثقل مصر وتركيا وقطر – ربما كان عاملاً إيجابياً قد يحسن من فرص التوصل إلى سلام بشروط أكثر واقعية ومعقولية بحسابات مستقبل الدولة السودانية. كل هذا قد يوازن المعادلة يحسن من فرص ألا يكون السلام المرتقب مجحفاً تماماً بمستقبل الدولة السودانية ومصالح شعبها، حتى لو لم يكن مثالياً. ولكن لا ضمان، إذ يظل المستقبل مفتوحا علي عدة إحتمالات وبإمكان كل الدول المؤثرة تغيير موقفها لأسباب تخصها أو نتيجة لتوازنات وتسويات إقليمية أو دولية.
ولا عزاء للكرزايات.
ما بعد أوكرانيا: هل يفرض ترمب شروطه لإنهاء الحرب السودانية ؟
