إدانة الحرب دون تحديد المعتدي تواطؤ أخلاقي وسياسي

إدانة الحرب دون تحديد المعتدي تواطؤ أخلاقي وسياسي:
من أخطر أدوات دعاية الغزاة والميليشيات إشهار شعار لا للحرب بلا أي مضمون أو تفاصيل. نعم والف نعم لشعار لا للحرب ولكن بدون الهروب من التفاصيل المحرجة. التعتيم على الجاني آلية دعائية لتبرئة المعتدي في حرب السودان.
ولكن تشجيع الرأي العام على إدانة الحرب دون تسمية الجاني أصبح آلية لتصوير الصراع وكأنه كائن مستقل بذاته، ينشأ تلقائياً بلا فاعل، مما يؤدي إلى طمس هوية المعتدي الحقيقي وتجنب دعوته لوقف العدوان وتحمُّل المسؤولية عن جرائمه. وهذا التضليل الإعلامي يُغيّب الوضوح الأخلاقي اللازم في قضية حياة أو موت، ويختزل الحرب في كونها “شراً عاماً” مجرداً، وليس عدواناً ممنهجاً تقوده قوات محددة ضد شعب السودان.
يتيح هذا الأسلوب للجاني واتباعه التهرُّب من المساءلة والاختباء وراء خطاب ضبابي، يشبه الحديث عن “حرب طروادة” في سردية تاريخية بعيدة عنا بعد ألاف السنين والأميال. كما يوزع هذا التدليس الإدانة بالتساوي، فلا فرق – في هذه الصورة – بين من يدافع عن أرضه وعرضه وامه واخته ، وبين غازٍ دخيل ينهب ويقتل فالكل دعاة حرب ومسؤوليتهم في وقفها تتساوي. بل قد يتعدى الأمر ذلك إلى قلب الأدوار: فيصبح المعتدي ضحية مزعومة لـ “شيطنة جائرة”!
هدف هذا الخطاب اختلاق تكافؤ زائف بين الطرفين، وكأنهما يتحملان مسؤولية متساوية عن اندلاع الحرب واستمرارها. وهذا تشويه للحقيقة يطمس الفارق الجوهري بين جريمة العدوان وفعل الدفاع الشرعي عن النفس.
الصمت على الجاني يتراوح بين السذاجة والتواطؤ. قد يكون الصمت عن تسمية الجاني في حرب السودان أحياناً نتيجة قصور في التحليل الفكري أو الوضوح الأخلاقي. لكنه – في حالات كثيرة – يمثِّل خياراً مدروساً، ينمّ عن تعاطف ضمني مع المعتدي، أو انحياز لأجندته، أو سعياً لإدارة الأزمة سياسياً لتجنب محاسبة الفاعل. وهذا ليس خطأ تحليلياً فحسب، بل خيانة للحقيقة وإساءة بالغة لشعب السودان وشهدائه، الذين يُقتلون مرتين: مرة بالرصاص، ومرة بالمحو والتعتيم.
كما أن إخفاء هوية المعتدي يُضعف من فرص الردع الدولي، ويخذل المقاومة الشعبية، ويُفشل جهود الضغط الدبلوماسي.
الحديث عن الحرب كظاهرة مجردة يشجع العدوان مستقبلاً، لأن المعتدين المحتملين سيشعرون بأنهم قادرون على التصرف دون أن يُسَمّوا، أو يُفضحوا، أو يُحاسَبوا. فالرسالة الضمنية تصبح: عليهم الغزو، وعليكم إدانة “الحرب” ككيان غامض بلا فاعل.
زمان كان في بيت مطرف في الحلة واقرب إلي غابة. يتسلل اللصوص أناء الليل ويمرو علي هذا البيت. وكان راجل البيت يكتفي بالرقاد ويقول للحرامية: اختشو ياخ. كرهتونا. خلو عندكم دين. أنتو ما شايفين بيت غير بيتي ده. ويواصل الرقاد واحيانا يعيد مونولوج لا للسرقة ده من سريره. اللصوص لما فهمو الزول ده بقو كل كم يوم يجو بيتو ، أول حاجة يفتحو التلاجة والمطبخ ويتعشو علي حسابو وبعد داك يفتشو لو لقو حاجة جديدة يسرقوها، ولو ما لقو يمشو يشوفو الرزق في مكان آخر. ولكنهم كانو لصوص محترمين اكتفو بالعشا ولم يعتدو علي جسد بنت أو شيخة أو عجوز أو صبية. يعني في غياب الردع ولو بالكلمة أو البيان أو الدبلوماسية من يهن يسهل الهوان عليهو.

معتصم اقرع
معتصم اقرع
Exit mobile version