ثالوث الإنكار لتبرئة الغزاة

ثالوث الإنكار لتبرئة الغزاة:
من أكثر الأساليب غدرًا لتمكين عنف الجنجويد هو رفض أو إنكار أو التقليل من أهمية الدور الحاسم الذي لعبته قوى خارجية في تمويل وتسليح وتمكين هذه الميليشيا لإدامة حربٍ تُعرف بجرائم مروعة ضد الإنسانية.

لسنواتٍ بعد بدء الصراع، أنكر السياسيون والنشطاء والصحفيون المؤيدون للحرب نفيًا قاطعًا أي تدخل أجنبي، مُصرّين على أن الحرب شأنٌ داخلي بحت. وكثيرًا ما تعرض المسؤولون والنشطاء الذين تجرأوا على تسليط الضوء على البعد الخارجي للانتقاد والسخرية. ود العطا الغوغائي.
لكن مع مرور الوقت، وثّقت تقاريرٌ موسعةٌ من وسائل الإعلام والمنظمات الدولية تدخل القوى الأجنبية بدقة. ومع تضاؤل فرص ​​​​الإنكار الكامل، تحولت الاستراتيجية من الإنكار الصريح إلى التقليل المنهجي من شأنه. واتخذ هذا التكتيك الجديد أشكالًا عدة:

– القول بأن التدخل الأجنبي في أي حرب أمرٌ “طبيعي”، وبالتالي اعتبار تسليح ميليشيا إبادة جماعية نتيجةً ثانويةً مقبولةً وحتميةً للصراع.

– القول أنها ليست حربًا تُشنّها محض قوى أجنبية . في هذا القول تنازل تكتيكي لا ينفي الدور الخارجي ولكنه يهدف إلى تبريره بالتقليل من دوره في تمكين جرائم الجنجويد، وتدمير البنية التحتية السودانية، وتشريد أكثر من اثني عشر مليون سوداني. وكأن وجود عامل داخلي أو ميليشا سوداني يبرر مدها باحدث الأسلحة وتوفير الحماية الدبلوماسية لها.

– التشتيت: يُصرّ أسوأ تكتيك على سوء إستخدام حجة أن فشلنا الوطني مسؤوليتنا الخاصة ولا داع لإقحام الدور الأجنبي. تدّعي هذه الحجة ضمنا أن التركيز على التدخل الأجنبي ما هو إلا محاولة لتبرئة أنفسنا من الإخفاقات الداخلية – وكأن الاعتراف بأحدهما ينفي الآخر. هنا يتم الإدعاء والإصرار على أن فشلنا الوطني هو مسؤوليتنا الخاصة، وعلينا أن نلوم أنفسنا ونتوقف عن لوم الأجانب، لأن الحرب تعكس تناقضاتنا الداخلية وفشلنا في بناء الدولة والوحدة الوطنية. وبالإشارة إلى الدور الأجنبي، فإننا نُخلي أنفسنا من المسؤولية ونلقي بفشلنا علي شماعة الأجانب. وهذه مغالطة بائسة لان القول بالدور الأجنبي لا يعني منطقيا إنكار وجود عوامل داخلية.

هذا التشتيت مغالطة شائعة. فكثيرًا ما نسمع شخصيات تبدو مستنيرة تُسلّط الضوء على التناقضات الداخلية لصرف الانتباه عن مسؤولية القوى المتدخلة، مُوحيةً بأن ذكر التدخل الأجنبي هو إنكار للمشاكل الداخلية. وهذا خداع. فالاعتراف بالدور الحاسم للجهات الخارجية لا ينفي بأي حال من الأحوال وجود قضايا تاريخية وداخلية خطيرة ووجود مشاكل بنيوية مستعصية ومزمنة. تتجاهل هذه الحجة عمدًا حقيقتين أساسيتين:

أولًا، سؤال التدخل الأجنبي قابل للإجابة عليه نفيا أو إثباتا بمعزل عن أي ظروف داخلية سابقة. هذه الحجة تفتقد النزاهة وتتجاهل حقيقة أن وجود تدخل أجنبي حاسم الأهمية من عدمه هو سؤال واقعي يمكن الإجابة عليه بنعم أو لا بغض النظر عن وجود مشاكل داخلية. ثانيًا، وجود صراع داخلي مستقل لا يمنح أي قوة أجنبية الحق الأخلاقي أو القانوني أو السياسي في تسليح ميليشيا إجرامية كالجنجويد.
كما أن التدخل الأجنبي الخبيث عادة ما يلعب علي تناقضات داخلية حقيقية لتحقيق أهدافه. وهذا أسهل من اللعب على مشاكل غير موجودة أو ضعيفة الأهمية.

ببساطة، نعم البنية السياسية السودانية تعاني من مشاكل حقيقية مزمنة لا علاقة لها بالأجنبي لكن الحقيقة الأخرى هي أن التدخل الأجنبي غير مشروع ومع ذلك ظل يستثمر في مشاكلنا الداخلية منذ عام ١٩٥٦ وبلا توقف بمختلف الطرق، أهمها اللعب على قضايا الأقليات وتطلعاتها المشروعة والإستعداد الدائم لتمويل أي حركة مسلحة بهدف إضعاف الدولة السودانية لا بهدف مساعدة الأقليات. هذا التدخل الخارجي لعب دورا لا يمكن التقليل من أهميته في إفشال بناء الدولة السودانية. وهذا القول لا ينفي قصور النخب التي قادت السياسة والثقافة السياسية وساهمت في تسميم الجسد الوطني بعدم احترامها لحقوق أقليات أو جهات أو باستعداد المعارضة لكل نظام في الإستثمار بالترويج لخطاب تفكيكي يحاصر النظام بتبني سرديات تستعدي الغرب عليه تحت غطاء حقوق الإنسان أو حقوق الأقليات.
التركيز علي العوامل الداخلية للفشل مطلوب تماما بهدف معالجتها والمضي إلي الأمام ولكن حين يتم إشهار كرت التناقضات الداخلية كوسيلة لتشتيت الحوار والتقليل من أهمية التدخل الخارجي يصبح نوعا من التواطؤ مع أعداء الشعب السوداني الذين حاصروه منذ ميلاد دولة ستة وخمسين بالفوضى والإفقار والتمرد والميليشيات المسلحة وتشويه سمعة الدولة السودانية بسرديات مبتذلة يساهم في إنتاجها كادر سوداني تم تربيته علي يد خطاب الهيمنة الليبرالية عبر منظمات لا حصر لها دمرت العقل السياسي السوداني لصالح كليشيهات محفوظة من إنجيل الأنجوة الليبرالي وساهم فيه أيضا يسار سطحي نسي تراثه الثري عن الطبقة والإمبريالية.

معتصم اقرع

Exit mobile version