جمال علي حسن

معلم مجنون وموظف قافلة معاهو


[JUSTIFY]
معلم مجنون وموظف قافلة معاهو

أستغرب جدا لمحاولة تفسير الحالات النفسية أو العقلية التي ظهرت بين المعلمين على أنها تحدث بسبب اكتظاظ الفصول الدراسية بأعداد كبيرة من الطلاب!
لكنني لم أستغرب مبدءا – لوجود وانتشار حالات نفسية في أوساط شريحة المعلمين أو أي شريحة أخرى من شرائح المجتمع.
الخبر الوحيد غير المستغرب هو ذلك الخبر الذي يفيد بإصابة أي مواطن سوداني بحالة نفسية أو عصبية، فالأسباب الموضوعية معروفة للجميع لأن الجميع يعيشون ظروفاً ضاغطة أو على الأقل يشعرون بوجود ضغوط عامة تفوق الاحتمال.
وفي تقديري أن تلك الأمراض تظهر أكثر بين المعلمين بسبب طبيعة مهنة التدريس التي تقوم بكشف واختبار حالة المدرس يوميا أمام طلابه، لأنه يخاطبهم، وبالتالي مطلوب منه أن يكون حاضر الذهن والذاكرة والتركيز أثناء أداء واجبه في الفصل.. وأي تراجع في مستوى تركيزه يكون ملحوظا وبائنا للتلاميذ، وهذا – في حد ذاته – يشكل عبئا نفسيا إضافيا عليه، وهكذا حتى تبلغ حالته درجة من السوء واللا مبالاة.
بعض المهن الأخرى لا تتطلب من صاحبها الإفصاح أو حتى النطق بكلمة واحدة، لكنه قد يكون يعاني ذات الضغوط وذات الحالة التي يعيشها المدرس، فقط الفرق بينهما أن المدرس مكشوف الحال وهذا الآخر يكون غالبا مستور الحال صامتا، بحيث لا يكاد أحد من حوله يلحظ ما به وما عليه.
ادخلوا مكاتب الدولة وقابلوا الموظفين في المصالح الحكومية ستلاحظوا أن بعضهم لا ينطق بكلمة واحدة طوال اليوم، فلا تعرف ولا يعرف زملاؤه، هل هو طبيعي أم مصاب بحالة نفسية و(مقطعة في اللباد) كما يقولون.
جربوا التعامل مع بعض الموظفين من أولئك الذين تحتم عليهم طبيعة عملهم التعامل مع الجمهور ستجدون الكثير المثير، فمنهم من لا يحتمل منك كلمة زائدة أو ناقصة أثناء التعامل معه.. (زهجان ودمو فاير)..
هل هؤلاء يعانون من جنون اكتظاظ الفصول!!
هذا تفسير غير دقيق وغير صحيح في تقديري والصحيح أن المعلم الذي يتقاضى راتبا محدودا وضعيفا تزداد الضغوط الحياتية عليه.. يعاني ويعاني لكنه يصبر ولا يشكو حاله لأحد.. فلمن يشكو هل يشكو للطالب وما ذنب الطالب الذي يأتي ليتعلم؟..
الخطير في مهنة التدريس أنها تضع المعلم في حالة التناقض بين النظرية والواقع.. فهو مطلوب منه شرح المنهج المثالي والتمثل بالسلوك النموذجي على مستوى الأخلاق والقيم.. مطلوب منه أن يعلم تلاميذه الصدق والوفاء والنزاهة والتكافل والعدالة كمنهج أخلاقي مثالي لا يكاد يستطيع أن يستدعي أمثلة وشواهد من واقعنا تعينه على شرح الدرس بشكل مقنع!!.. الضغط النفسي على المعلم أكبر بحكم طبيعة مهنة التدريس والكشف عن تغيرات حاله على المستوى الشخصي أسرع وأسهل من واقع طبيعة المهنة.
لو أردتم الدقة في القول، فإن ظهور حالات جنون وسط المعلمين هي مؤشر لازدياد هذا النوع من الأمراض النفسية في المجتمع، فهناك زيادة في معدلات انتشار الأمراض النفسية في السودان.. إبحثوا عن الأسباب والحلول، فليست هناك علاقة موضوعية بين مهنة التدريس والجنون..

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي