في دراستنا بكلية الآداب للنصوص والمفاهيم والفلسفة فقد كنا مفتونين بالحياة الخاصة للمشاهير، أحوالهم مع الحياة والحب والنساء والهوايات وغرائب الطِباع، وقد كانت لنا تصانيف في سيرة هؤلاء لأن الغوص في حياة وأسرار الأدباء والشعراء والساسة والفلاسفة والمفكرين يفتح الباب على مصراعيه على تاريخهم وإنجازاتهم وقضاياهم، وأذكر أني أعددت وأنا في السنة الثالثة بكلية الفلسفة سفراً عن الحياة الخاصة بهؤلاء الكِبار، ولى أوراق كثيفة في هذا الأمر أرجو من كل قلبي أن أجدها في ركام الحجارة والمخلفات بعد أن سرق الجراد الصحرواي ممتلكات القناة والإذاعة والصحيفة والمطبعة والدار فإن في هذه الإختيارات وبعض المعلومات ما تصلح لكتابة الذكريات والمذكرات مع موسوعة (ولألوان كلمة) ماكنت أعده لمجموعة من الكتب بعنوان (مستطرف ألوان في الحِكم واللطائف والبيان).
ومما بقي في الذاكرة عن العلماء والفقهاء والشعراء والكتاب والفلاسفة من العرب والعجم الذين حرمتهم إنشغالاتهم في الفكر والموهبة عن الزواج وتكوين الأسرة والأنس بالحب والنساء، ونسأل الله من كل قلوبنا أن يرزقهم في الجنة (ألفين جدايا من الحوريات التي دعا بها شيخ المادحين حاج الماحي) ويقف في مقدمتهم العالم المجاهد إبن تيمية صاحب الفتاوى والسجين القتيل وكذلك الإمام محي الدين النووي صاحب رياض الصالحين في كلام سيد المرسلين، وابن جرير الطبري صاحب التفسير الكبير والتاريخ وعمدة المؤرخين وإبن النفيس مكتشف الدورة الدموية والزمخشري صاحب الكشاف وإبن القيم الجوزية تلميذ إبن تيمية وصاحب مدارج السالكين وزاد المعاد والفوائد والرازي صاحب التفسير، وهنالك الكثير من علماء العربية والإسلام الذين لم ترد أسماءهم في ما ذكرنا والقائمة تطول أما أشهر الفِرنجة والأعاجم الذين لم يتزوجوا تبتلاً للعلم والموهبة والإبتكار من الفلاسفة والمفكرين فيتقدمهم أفلاطون اليوناني صاحب المدينة الفاضلة وعالم المُثُل وتليه قائمة هؤلاء الكبار من تلاميذه والمقتفين لأثره هيراقليطس ، ديكارت ، اسبينوزا، فريدريك نيتشه، جان جاك روسو، ديفيد هيوم، أوشو، توماس هوبز، جون لوك، إيمانويل كانط ، باسكال ، كركيجور وشوبنهاور.
ومن العلماء التجريبيين إسحق نيوتن صاحب النظيرة وآدم سميث المفكر الإقتصادي الكبير، ومن المفكريين والساسة والعلماء فولتير المفكر والمحرض على الثورة الفرنسية، ومن الكتاب فرانس كافكا التشيكي اليهودي ومن الرؤساء الرئيس الأمريكي جيمس بوكانان، والملك الإنجليزي ويليام الثاني، والرئيس الجزائري الأسبق عبدالعزيز بو تفليقة ومن القيادات الإسلامية المعاصرة في الفكر والسياسة والقيادة الشيخ جمال الدين الأفغاني صاحب العروة الوثقي ودعوة الخلافة الجديدة.
ومن أشهر الكتاب والشعار الذين لم يتزوجوا الكاتب والشاعر عباس محمود العقاد صاحب العبقريات والكاتب الشهيد سيد قطب مؤلف في ظلال القران ومعالم في الطريق، ومن أهل الفن الذي لم يسعدوا بهذه السنة الحميدة في حياة البشرية التشكيلي والوزير المصري فاروق حسني والموسيقار فريد الأطرش، وأستاذ الفلسفة والمؤرخ عبدالرحمن بدوي ومن الشعراء قديماً أبو العلاء المعري والشاعر التونسي الذي إرتحل في ريعان شبابه صاحب أغاني الحياة أبو القاسم الشابي والكاتب المهجري جبران خليل جبران مؤلف النبي والأجنحة المتكسرة.
أما الكبار من القيادات السياسية والفكرية والشعراء من أهل السودان فهم كثر أشهرهم السياسي الوطني وعضو مجلس السيادة خضر حمد والشاعر االعبقري الراحل التيجاني يوسف بشير صاحب ديوان إشراقة والشاعر الكبير إدريس جماع صاحب ديوان (لحظات باقية) والشاعر الدبلوماسي صلاح احمد إبراهيم صاحب ديوان غضبة الهبباي وغابة الأبنوس و(نحن والردى) وله مجموعة قصصية وكتب في التاريخ والسياسية والشاعر محمد عبدالقادر كرف.
ومن نافلة القول أذكر أننا في الجامعة كانت لنا مجموعة خيرة من الأصدقاء وقد كونا جمعية غير مسجلة في الأوراق ولكنها كانت مسجلة في القلوب والعقول والأيدي المعطاءة على قلة الرزق آنذاك وأسمينها (بأخوان الهدايا) وجعلنا شعارها حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا) وما زلنا على هذا العهد في الهدايا المادية لهذه المجموعة رغم أن الجماعة قد رفعوا شِعار الشاعر ناجي (آه لو ترضى الليالي لشتيت باجتماع) أما أعظم الهدايا فقد كانت مما كنا نختاره يومياً حين نلتقي ما ننتقيه من الأشعار والأذكار وآيات القران الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وقد تعهدت نفسي بأحاديث المصطفي صلى الله عليه وسلم إهتداء واقتداء بالأربعين النووية وقد أسماها ظرفاء الجامعة بالأربعين الحسينية وكنت أختار الأحاديث بمقدمة فكرية صغيرة، أو بالأحرى بمذكرية تفسيرية لكل حديث فليت الذي كلفته بالبحث في أنابيش ألوان أن يجد دفتر هذه الكتابات المباركة ولكن ما بقي في ذاكراتي منها الكثير ومنها حديث سيدي وقرة عيني الصحابي المبتلى خباب بن الأرت
رضي الله عنه وقدس سره، فقد كان جبابرة قريش يضعونه على الجمر فلا يطفي النار إلا دهن جلده وبعد جلسة تعذيب مشهودة في رمضاء مكة قام وقد تقرح جلده واستعصى لسانة عن الشرك والقول الذي يرضي المشركين ذهب للمصطفى صلى الله عليه وسلم مستنجداً وقلبه مترع بالأحزان شاكيا ومنتظرا لمعجزة تزلزل الأرض تحت أقدام هؤلاء الأوغاد مطالبا من المصطفي منه الدعاء ليرفع الله عنهم الإبتلاء فكان هذا الحديث الذي يمكن أن نختصر عطره في جملة واحدة (إن الذي يؤمن بفكرة عظيمة تلامس قلبه وعقله وروحه وجسده فإنه لا يرجو مثوبة حتى من داعيها ويجعل مثوبته عند الله تعالى ويكِل أمره إلى السماء) وهذا الحديث من الأحاديث العجيبة خاصة للدعاة الذين يؤملون في محبة الله والتنعم بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين دون نظر لسند من أحد حتى ولو كان نبياً او صالحاً او شهيداً فإن الناس يأتون يوم الموقف العظيم (فرادى) ونص الحديث
شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
حسين خوجلي
