لا تحوّل في الموقف المصري.. بل تدرّج في الثبات

البيان الصادر عن جمهورية مصر العربية بمناسبة زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، إلى القاهرة أمس، لا يمكن وصفه بأنه تحوّل في الموقف المصري من الحرب في السودان، بل هو تدرّج طبيعي في التعبير عن موقفٍ ثابتٍ ومعلن منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب.

فمصر – كما قال الشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الأبنودي – “ومصر عارفة وشايفة وبتصبر.. لكنّها في خطفة زمن تَعْبُر وتسترد الاسم والعناوين”، وهذه العبارة تختصر جوهر السياسة المصرية تجاه السودان: رؤية هادئة، ومعرفة دقيقة، وصبر محسوب، يتلوه فعل حاسم في التوقيت المناسب.

منذ اندلاع الحرب، كان الموقف المصري واضحًا لا لبس فيه: لا مساس بوحدة السودان، ولا مساس بمؤسسات الدولة السودانية، مع سعيٍ جادٍ لإيجاد حل يوقف نزيف الدم السوداني. لم تكن القاهرة يومًا من المتفرجين، بل كانت من الواقفين بثبات على الضفة التي تحمي السودان من الانهيار. وكما هي عادتها، لم تكن تستعجل التصعيد، ولم تنساق وراء المزايدات أو الانفعالات السياسية، بل ظلت تراهن على الحلول السياسية الواقعية، وعلى دعم الدولة السودانية ومؤسساتها الشرعية.

غير أن الرياح الإقليمية هبّت بعنف غير مسبوق، وجرت مياه كثيرة تحت الجسر، وبرزت أدوار خارجية تسعى لاشتعال الحرب أكثر مما تسعى لإطفائها. تمددت أيادي التدخل في الاتجاهات كافة، حتى تجاوزت حدود الحرب العسكرية إلى تهديدات تمسّ الأمن القومي في جميع الاتجاهات الاستراتيجية.

وفي ظل هذا التصاعد، جاء البيان المصري ليضع النقاط فوق الحروف، معلنًا أن هناك خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها: وحدة السودان، وسلامة أراضيه، وبقاء مؤسسات دولته، وعدم السماح بقيام كيانات موازية تهدد نسيجه الوطني. والأهم من ذلك أن مصر لم تكتفِ بالتحذير، بل لوّحت بوضوح إلى حقها الكامل في اتخاذ ما تراه لازمًا من تدابير وإجراءات وفق القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، وهو ما يعني أن الصبر المصري بلغ منتهاه.

هذا ليس تحوّلًا إذن، بل تدرّج في الثبات، وتعبير أكثر صراحة عن موقفٍ ظل قائمًا منذ البداية. لقد تحدثت مصر بلسان القوة المسؤولة، التي تعرف متى تصمت ومتى تتكلم، ومتى تحذر ومتى تُعلن أن “لابد مما ليس منه بد”.

إنها مصر التي تعرف قدر السودان وموقعه، وتدرك أن أمنه جزء لا يتجزأ من أمنها، وأن سقوطه ليس خيارًا مطروحًا، بل خطًّا أحمر يضيء الآن باللون الأوضح.

عميد شرطة (م)

عمر محمد عثمان

Exit mobile version