تحقيقات وتقارير

صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية

إعلان استشهاد قائد الفرقة 22 بابنوسة، يحظى بتفاعل كبير،،
اللواء معاوية،، اختار الشهادة ليبقى الوطن..
ارتكز في قلب النار، واجه التهديدات، وصبر على الخذلان..
تجاوز حدود الجغرافيا والقبيلة، ورسَّخ نموذجاً لقائد ينتمي للجيش..
صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية..
قور: استشهاد معاوية خسارة كبيرة، ودماؤه منارات تهدي طريق الوطن..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
حظي إعلان استشهاد قائد الفرقة 22 مشاة بابنوسة اللواء ركن معاوية حمد عبدالله، بتفاعل كبير على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك عطفاً على مواقف الرجل الذي قدم ملاحم بطولية نادرة، ظل خلالها ثابتاً في موقعه، رافضاً كل محاولات الترهيب والضغوط التي مارستها قيادات أهلية داعمة لميليشيا الدعم السريع، طالبةً منه الخروج وتسليم الفرقة، باعتبارها تقع ضمن نطاق الحاضنة الاجتماعية للميليشيا، وكانت الفرقة 22 مشاة بابنوسة، إلى جانب اللواء 90 بمنطقة هجليج، آخر المناطق العسكرية التي ظلت تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية في ولاية غرب كردفان، بعد سقوط بقية الألوية والمواقع، الأمر الذي جعلها هدفاً مركزياً لهجمات الميليشيا، التي تعاملت مع المعركة باعتبارها “قضية شخصية” بعد مقتل المئات من عناصرها في تخوم الفرقة، ورغم قناعته بتعقيد المشهد العسكري، وإدراكه لاختلال موازين القوة والحصار الخانق، رفض اللواء معاوية كل النداءات، سواء تلك التي جاءت من قيادات أهلية موالية للميليشيا، أو حتى رجاءات بعض أعيان قبيلة المسيرية الداعمين للجيش، الذين رأوا أن سقوط بابنوسة بات وشيكاً، فاختار الرجل طريق الشهادة، مفضلاً البقاء والقتال حتى آخر طلقة، ليكون خندقه هو مقبرته.
بطولة في قلب الحاضنة:
لقد جسّد اللواء الركن معاوية حمد عبدالله نموذجاً فريداً للقائد العسكري الذي يقاتل في ظروف بالغة التعقيد، داخل منطقة تُعد حاضنة اجتماعية لميليشيا الدعم السريع، وفي ظل حصار محكم جعل الإمداد والمؤن تصل إلى الفرقة بشكل متقطع وشحيح، وبرغم الضغط العسكري المتواصل، رفض الشهيد استخدام الطيران لقصف المنطقة، حرصاً على أرواح المدنيين، مقدماً الاعتبار الإنساني على المكاسب العسكرية، في موقف يعكس أخلاق المؤسسة العسكرية السودانية، كما رفض الرجل كل نداءات الخروج التي وصلته من أعيان قبيلة المسيرية الداعمين للقوات المسلحة، والذين خشوا على حياته بعد اشتداد الهجمات، وحتى عقب سقوط مدينة الفاشر، ظل اللواء معاوية ثابتاً في بابنوسة، يعمل على رفع الروح المعنوية لزملائه من الضباط وضباط الصف والجنود، ومن بينهم أبناء قبيلة المسيرية الذين قاتلوا معه واستشهدوا إلى جانبه، مقبلين غير مدبرين.
قصة وطن:
في واحدة من أكثر إفاداته تأثيراً، خاطب الشهيد اللواء معاوية مجموعة من مستنفري بابنوسة، في وقت كانت تتواصل فيه معه قيادات أهلية مساندة للميليشيا، مطالبةً إياه بتسليم الفرقة، وأكد اللواء معاوية أن ما تمر به البلاد ليس شأناً عابراً ولا قضية أفراد، بل معركة وجود تتعلق بمصير وطن كامل، داعياً إلى الثبات وعدم مغادرة المواقع، وقال مخاطباً المواطنين والمستنفرين: “لو خرجت من هذه المحطات، أين ستذهب؟ وأين سيذهب المواطن؟” مبيناً أن التفكير يجب أن يتجاوز الحسابات الضيقة، وأن ينطلق من سؤال المصير، مشيراً إلى أن النزوح لا يلغي السؤال، بل يعيد طرحه بشكل أكثر قسوة: ” الناس الذين نزحوا واستقروا في مناطق أخرى… سيذهبون إلى أين؟” وختم الشهيد حديثه بالتأكيد على أن القضية هي “قصة بلد… قصة وطن”، إما أن يبقى أو لا يبقى، في نداء يُجسّد وعي القائد بحجم التحدي التاريخي الذي تواجهه بلاده.
مثال للشجاعة والبسالة:
وسال الكثير من الحبر نعياً للشهيد البطل اللواء ركن معاوية حمد عبدالله قائد الفرقة 22 مشاة بابنوسة، وكان أكثر المتأثرين برحيله قيادات ونخب من قبيلة المسيرية ممن عركوا الرجل وعرفوا قيمته العسكرية والإنسانية، وقدّروا مواقفه الوطنية، ونعى الناشط الاجتماعي والخبير في ثقافة المسيرية المهندس أحمد سليمان قور الشهيد معاوية، معرباً عن بالغ حزنه وألمه لهذا الفقد الجلل، وقال قور في إفادته للكرامة إنه يعزي نفسه أولاً، ثم القوات المسلحة السودانية، وأهل السودان كافة، وقبيلة القراريش على وجه الخصوص، مؤكداً أن اللواء معاوية كان مثالاً للرجولة والبطولة والبسالة والشجاعة، وأن استشهاده يمثل خسارة وطنية كبيرة، منوهاً إلى الكثير من المواقف الإنسانية والبطولية للشهيد، متمنياً أن تكون دماء الشهداء منارات تهدي طريق الوطن.
فاجعة للسودان:
وبكلمات مؤثرة نعى الشيخ أحمد الصالح صلوحة، أحد أبرز قيادات قبيلة المسيرية، الشهيد اللواء معاوية حمد عبدالله، مؤكداً أن استشهاده لن يوقف المسيرة، وقال صلوحة في تسجيل صوتي مبذول على منصات التواصل الاجتماعي إن فقدان اللواء معاوية فاجعة للسودان وللقوات المسلحة، لكنه شدد على أن البلاد ليست عقيماً، وزاد: “إذا استشهد معاوية، فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية” وأشاد صلوحة بثبات الشهيد لأكثر من عامين في موقعه، في ظروف بالغة التعقيد، وبصموده الأسطوري وحرصه الإنساني على أهل بابنوسة، مؤكداً أن اسمه كُتب بمداد من ذهب في سجل الخالدين، كما قدّم التعازي للقيادة العامة للقوات المسلحة، وضباط وجنود الفرقة 22 مشاة، وأهل بابنوسة، وأسرة الشهيد، وقبيلة القراريش، وكل أهل السودان، مؤكداً أن دماء الشهداء ستظل وقوداً لمعركة الكرامة.
خاتمة مهمة:
على كلٌّ.. فإن استشهاد اللواء الركن معاوية حمد عبدالله، قائد الفرقة 22 مشاة بابنوسة، يحمل بين طيَّاته دلالات عميقة، لا سيما في موقف أبناء قبيلة المسيرية الداعمين للقوات المسلحة، الذين رأوا في الرجل قائداً وطنياً وإنسانياً، رغم كونه ابن الولاية الشمالية، جاءته الأوامر العسكرية ليحرس ثغرة من أخطر ثغور الوطن في غرب البلاد، لقد تجاوز اللواء معاوية حدود الجغرافيا والقبيلة، ورسّخ نموذج القائد الذي ينتمي للمؤسسة العسكرية قبل أي انتماء آخر، فحظي باحترام قطاعات واسعة من مجتمع المسيرية، لما أبداه من عدل وإنسانية وتعامل راقٍ مع المواطنين، إن مواقف الرجل، ورفضه الانسحاب، وحرصه على المدنيين، وثباته حتى الشهادة، ترسم صورة قوية ومتكاملة لقائد من طراز نادر، وتؤكد أن المؤسسة العسكرية السودانية لا تزال تنجب رجالاً يكتبون تاريخهم بالفعل لا بالشعارات، رحل اللواء معاوية جسداً، لكنه ترك سيرةً ستظل حاضرة في ذاكرة الوطن، وشهادةً على أن بابنوسة لم تكن مجرد معركة، بل عنواناً لمعنى الشرف العسكري والالتزام الوطني.