زهير السراج
أنا … وزوجتى والملوخية
يقبع على رأس هذه المطالب ، قيامى بكل شؤون المطبخ ومستلزمات طهى الطعام وانتاجه واستهلاكه من تقطيع وتوريق وتخريط وكل ما يلزم ، بما فى ذلك غسيل العدة بعد الاكل واعداد الشاى وتسخينه اكثر من مرة ثم الانتظار بكل صبر وجلد وابتسامة لا تغيب ولا تضمحل حتى يبرد للمرة الاخيرة قبل ان تصدر لى التعليمات ب( شيل العدة ) ، فاحملها الى المطبخ وادلق الشاى فى الحوض ، ثم اغسل الاوانى واعيدها الى موضعها ، وقبل ان تجف انزلها مرة اخرى لاعمل كباية شاى من يدى الجميلتين، لان زوجتى العزيزة لم تتناول شاى الغداء …الى اخر هذه الرواية الرتيبة، وعلى ان افعل ذلك طيلة عشرين عاما قادمة، ان مد الله فى العمر ، مثلما ظلت زوجتى تفعل خلال العشرين عاما الماضية ، هى عمر زواجنا الميمون !! ( لا أدرى والله سبب وصف الزواج بهذه الكلمة مع العلم بأن كلمة ميمون تعنى القرد ! ترى هل السبب فى ذلك هو ان البعض لا يصدق انه عثر على رجل ، فيتشعبط فيه الى اخر العمر ؟! صدق من قال ان الانسان اصله قرد ! )
وبعد ان اعد الشاى للمرة العشرين ، واغسل العدة فى كل مرة ، يحين موعد العشاء ، فأقوم باعداد العشاء اولا لابنتنا الصغيرة التى تنام فى وقت مبكر ، ثم للابنين كل على حدة ، واظل انتظر الاوامر باعداد( العشاء الاخير) فى ذلك اليوم للسيدة حرمنا المصون التى تتعشى فى العادة بعد منتصف الليل ، وعندما تنام اخيرا وهى تعزف اروع السيمفونيات ، على ان اظل صاحيا طول الليل لألبى نداءاتها عندما ( تفوق) وتطلب اقراص الحموضة واكواب الماء البارد اكثر من مرة، الى ان يحين الصباح ، فأسرع الى المطبخ لاعداد الشاى وتجهيز السندوتشات ، قبل ان اغادر الى العمل لاحظى بقليل من الراحة والنوم، ولكن هيهات فسرعان ما يحين موعد اعداد الافطار لنزلاء الفندق الذى اعمل فيه !!
دارت هذه الافكار بخلدى ، بينما زوجتى تتصل بوكالات الانباء تزف لها النبأ السعيد بانتقالى من مهنة الصحافة الى مهنة الطبيخ، وما هى الا لحظات حتى حضر الصحفيون والمراسلون ومديرو مكاتب القنوات الفضائية بالخرطوم يتقدمهم بعض الفضوليين والشمشرجية المعروفين فى حلتنا ، وهم يمنون النفس بسبق صحفى كبير والكثير من الشمار، و عندما حان دورى فى الحديث ، نفيت نفيا قاطعا الاخبار التى نقلتها لهم زوجتى بتمردها على الطبيخ ، وقيامى بهذه المهمة بدلا عنها بعد ان اعتزلت الكتابة الصحفية ، وأكدت لهم بأننى باق فى مهنة النكد ، مهما كانت الظروف والاحوال !!
وأنا أقول ذلك نظرت ناحية زوجتى فرأيت الدموع تنهمر من عينيها ، ولا أدرى ان كان ذلك من الفرح أم الحزن أم من كوم البصل الذى ينتظرها فى المطبخ لاعداد ( السخينة )، بعد ان اضطرت للتراجع القسرى عن تمردها مقابل ان اتوقف انا واولادى مؤقتا عن اكل الملوخية ، والا فالويل لها كل الويل من ( اريحية ) ملوخية السوق ، والحشاش املا شبكتو !!
drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: 1204 2009-03-20