ضياء الدين بلال

(سري للغاية)!

[JUSTIFY]
(سري للغاية)!

رن هاتف التلفون بقناة النيل الأزرق وزير المالية الأستاذ/ بدر الدين محمود يرغب في إجراء مداخلة على برنامج (حتى تكتمل الصورة)!
الحلقة كانت عن االمصارف وامتناع بعض البنوك الخليجية عن التعامل مع المصارف السودانية.
بادرة جيدة أن يهتم وزير في وزارة مهمة مثل وزارة المالية بإكمال الصورة للمواطنين حول قضية تشغل اهتمام قطاعات واسعة في المجتمع.
لكن للأسف المداخلة الهاتفية المباشرة جاءت على نقيض دلالة المبادرة. المداخلة جاءت في سياق دعوة جريئة للتعتيم وحجب المعلومات وإخفاء الحقائق تحت شعار (سري للغاية)!
بذريعة قديمة منتهية الصلاحية دعا وزير المالية في العلن وعلى الهواء لحجب المعلومات عن الرأي العام، بحجة أن الكشف عن المعلومات سيضر بالمصالح!
وزير المالية بدر الدين محمود قال في برنامج يهدف لإكمال الصورة:
“يجب على وسائل الإعلام عدم إثارة موضوع مقاطعة البنوك الأجنبية للبنوك السودانية لأن ذلك يؤدي إلى إخافة الناس وإثارة الهلع وسط المجتمع السوداني، إذا كنت في محل بنك السودان المركزي لتكتمت على الموضوع، وعملت على مواجهته سراً لأن مثل هذا الأمر ليس غريباً على السودان والسودان مر بمثل هذه المواقف كثيراً وتمكن من تجاوزها بسهولة”!
لا أعرف كيف تصور الوزير أن مثل هذه المعلومات قابلة للستر والإخفاء. معلومات ذات علاقة بجهات متعددة داخلية وخارجية، يصعب تواطؤهم جميعاً على الصمت.
بدر الدين محمود رجل محترم ذو كفاءة ومقدرات في مجال الاقتصاد، ولكنه يعاني مما يعاني منه الكثيرون في الحكومة وهو ضعف الحس الإعلامي.
للأسف وزير المالية يعبر عن عقلية لاتزال قابعة في أزمنة الستر والحجب (لا تدعه يمر)، في أزمنة ثورة المعلومات والفضاءات المفتوحة لم يعد الصمت هو المعادل الموضوعي لمعدن الذهب!
المعلومات كائنات ضوئية من المستحيل احتجازها في الأدراج.
فما لم تقله أنت سيقوله الآخرون، بالسياقات والألوان التي تخدم أجندتهم وتضر بسمعتك.
وما لا يسمعه المواطن منك، سيتكرم به الآخرون كذلك، وسيتركون لك فقط حق الملاحقة اللاهثة بالنفي والتعليق والتعامل الخاسر مع المترتبات.
بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير المالية بترتيب من وزير الدولة بالإعلام الشاب الهمام ياسر يوسف علقنا بالقول في هذه المساحة لوزير المالية وهو يمتنع عن الإفصاح عن الجهات التي ستقرض السودان لتجاوز الأزمات:
( في عالم اليوم لا توجد أسرار خاصة في حركة الأموال، والإعلان عن الرغبة في الإخفاء، سيشجع على البحث والتقصي؛ كان بإمكان الوزير ألا يكشف الجهات المُقْرِضة، ولكن دون أن يظهر أنه يتهرب بالامتناع).
سياسة جعل بنك السودان أو وزارة المالية ثكنات اقتصادية مغلقة، ممنوع فيها الاقتراب والتصوير والتصريح كذلك، ستصبح هي الخطر لا العلاج!
في أيام بدر الدين محمود -وهو نائب محافظ- فعل بنك السودان ذات الشيء، قام باتخاذ أخطر قرار اقتصادي وهو تحرير الدولار تحت مسمى زيبقي يصعب الإمساك به وهو (سعر الصرف المرن الدوار)، فعل ذلك دون بيان أو توضيح ولا خبر صغير في موقعه الإلكتروني!
منهج (الغمتية) لا يليق بالمؤسسات الكبرى، فهو يزرع الشك لدى الرأي العام ويفتح الباب مشرعاً أمام عرائس الشائعات للرقص في الأماكن الشاغرة.
في زمن ثورة المعلومات والفضاءات المفتوحة يتطلب الأمر تعاملاً عالي الحساسية مع المعلومة ذات الصلة بالرأي العام . فأنت لا تستطيع أن تخفي شيئاً مهما صغر ولن يوفر لك الصمت بوابة مناسبة للهروب من مواجهة التساؤلات!
إذا كانت أحاديث الوزير السابق علي محمود مضرة إعلامياً فإن صمت الوزير الحالي بدر الدين محمود أضر في وقت يتعرض فيه الاقتصاد الوطني لهجمة شرسة!
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني