عبد اللطيف البوني

اليسار السوداني الجديد

[JUSTIFY]
اليسار السوداني الجديد

مصطلح اليسار واليمين من إفرازات الثورة الفرنسية. فاليسار يشير إلى المواقف التي تدعو للتغيير، واليمين يشير إلى المحفاظين المقاومين لأي تغيير. وبمرور الزمن أصبح هناك يسار متطرف، وهو ذلك يطالب بالتغيير الراديكالي أي الجذري، ويسار معتدل، وكذا اليمين عدة مدارس. وهناك يسار الوسط ويمين الوسط، إذ توجد منطقة رمادية بين الإصلاحيين والثوريين.
في فترة الحرب الباردة (1945 -1990)، أصبح اليسار يعني الطرح الاشتراكي، واعتبار طريق التطور الرأسمالي شكلاً من أشكال الرجعية، ولا بد لليسار من حزب طليعي، وهو الحزب الشيوعي، أو ما يقوم مقامه ليقود طبقة البرولتياريا في صراعها الأزلي ضد الطبقة الرأسمالية. ودولياً يعني اليسار الاقتراب من المعسكر الاشتراكي، الذي يتزعمه الاتحاد السوفيتي (العظيم)، ومساعدة حركات التحرر ضد الاستعمار بكافة أشكاله القديمة والحديثة.
في السودان كان الحزب الشيوعي السوداني يقف في طليعة الأحزاب اليسارية، وكان منهج اليسار يقوم على المناداة بسيادة القطاع العام. هذا من ناحية اقتصادية. ولم يكن اليسار السوداني معادياً للدين، ولكن عندما ظهرت الأحزاب الدينية نادى اليسار بفصل الدين عن الدولة، واعتبر الأحزاب الدينية أداة من أدوات الرجعية العالمية، لكبح جماح المد التقدمي الذي تتزعمه الأحزاب اليسارية. ولم تظهر في أدبيات الحزب ما يشي بأنه يأخذ الليبرالية السياسية، أي التعددية الحزبية كمسألة مبدئية.
انتهت الحرب الباردة، بنهاية المعسكر الشرقي، وبالتالي توارت الدعاوى الاشتراكية. وهناك استسلام بأن الرأسمالية أصبحت قدر البشرية، ولم تعد أمريكا هي قائدة الرجعية العالمية، وانتهت الدعاوى التي تنادي بسيطرة الأحزاب الاشتراكية بقيادة الحزب الطليعي (مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية)، وأصبحت التعددية الحزبية الليبرالية كاملة الدسم هي مطلب البشرية. وهنا ينطرح السؤال: ماذا بقي من اليسار إذ توارت الدعاوى الاشتراكية وسيادة القطاع العام، وأصبحت الليبرالية الحزبية مقبولة من الكافة ولم تعد أمريكا أم الرجعية؟
في السودان تصادف انحسار مبادئ اليسار المشار إليها أعلاه مع ظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة جون قرنق التي نظرت للأمور من زاوية صراع المركز والهامش، بدلا من الصراع الطبقي، فاصطفّ فيها بعض اليساريين المتطرفين باعتبار أن هامش السودان هو موطن الفقراء، بينما ظل الحزب الشيوعي متمسكاً بمبادئه القديمة منحنياً للعاصفة الفكرية الجديدة دافعاً ثمن ذلك انكماشا وبالاستناد على التحالفات ضد الإنقاذ.
الآن بدأت الساحة السياسية تفرز اصطفافاً جديداً، فهناك الجبهة الثورية التي تدعي أنها تمثل الهامش بعد الانفصال، وبدأت الحركة الإسلامية والأحزاب التقليدية تتقارب لتشكل مجموعة المركز القديم، وقد سمّى البعض هذا الاصطفاف باليمين، بالتالي يكون الاصطفاف الآخر هو اليسار السوداني الجديد. ويبقى السؤال: إلى أين سوف يتجه يسار المركز القديم الذي فقد مضامينه القديمة؟ هل سوف يتجه لليسار الجديد ويدعو لصراع الهامش والمركز عوضاً عن الصراع الطبقي بين الذين يملكون والذين لا يملكون والثوريين الرادكاليين؟ هل يدعون للحقد العنصري بدلا من الحقد الطبقي؟. المعضلة التي سوف تواجه اليسار الجديد هي أن الهامش السوداني هو الأغنى في السودان من حيث الموارد، إنه يمكن أن يقوم في كادوقلي أو الدمازين عمراناً يجعلها مدناً عالمية بدلاً من الاستيلاء على عمران الخرطوم أو تحطيمه؛ فالمركز في السودان يمكن التخلي عنه دون صراع، فهل هناك يسار دون صراع؟.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]