مصطفى أبو العزائم

خطاب البشير.. وثيقة أزمة أم حلول؟


[JUSTIFY]
خطاب البشير.. وثيقة أزمة أم حلول؟

بدأ السيّد المشير عمر حسن أحمد البشير، رئيس الجمهورية، ورئيس حزب المؤتمر الوطني، منذ مساء أمس الأول، لقاءاته المفتوحة مع القوى السياسية، المشاركة في السلطة وتلك المعارضة للحكومة، وذلك بلقاء تم بينه وبين قيادات الحزب الناصري، ويتم الإعداد للقاءات أخرى مع بعض القوى السياسية المحسوبة على اليسار خلال الأيام القليلة القادمة، وذلك على هدى خطاب السيد رئيس الجمهورية الأخير أمام القوى السياسية، والذي حدد فيه من خلال وثيقة إصلاحية أربعة مرتكزات- لا خلاف عليها – تخرج بلادنا من نفق الأزمات التي نصنعها بأنفسنا.

المرتكزات الأربعة التي يتأسس عليها الحل، تمثلت في الحريات والهوية والاقتصاد والسلام، وفيها تلخيص للأزمة السودانية منذ بداية الحكم الوطني بعد الاستقلال، وفيها أيضاً الفرصة للحل، إذا ما توافق الخصوم، أو المتنافسون على السلطة، للجلوس ومناقشة تلك المرتكزات الأربعة سعياً لإعداد دستور يتوافق عليه الجميع، فبلادنا تعتبر من الدول القليلة التي تضم ثقافات وأعراق متعددة الأوجه، منحت السودان خارطة مركبة، بالغة التنوع على المستويين الطبيعي والسكاني، وجعلت بلادنا واحدة من المداخل الأساسية للقارة الأفريقية، وللعالمين العربي والإسلامي في آن.

معاناة السودان في عمومياتها نشأت من مشكلة الهوية، وهذا ما لا ينتبه له الكثير من الناس سواء كانوا مختصين أو باحثين في علوم الاجتماع أو الانثروبولجي – علم الإنسان والسلوك – فقد مارست الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم السودان – ربما من غير وعي أو إدراك – ظلماً كبيراً على ما يمكن أن نطلق عليه الهامش، بصرف النظر عن توجهات أو ألوان أو معتقدات تلك الأنظمة، إذ تم تكريس السلطة في أيدي النخب السياسية، التي ما كان يهمها سوى كرسي الحكم عند ملتقى النيلين، وقد أدى ذلك إلى اختلال ظاهر في توزيع السلطة، إذ أن (البعيد عن القصر بعيد عن الحكم)، وهذا أدى بدوره إلى اختلال في توزيع الثروة، في وقت أصبح فيه الاقتصاد والثروة إحدى وسائل التغيير الاجتماعي، نحو الأفضل.

عدم إدراك النخب والسياسيين لأصل المشكلة وانصرافهم نحو ساحات الصراع على السلطة أبعدهم عن الفهم العميق والدقيق للمشكلة، فظهرت حركات التمرد المسلح ضد الدولة كواحدة من أدوات الصراع لإثبات الذات الاجتماعية، مثلما حدث في العام 1955م بظهور أول تمرد في جنوب السودان مع اقتراب موعد الاستقلال، وكان مطلب المتمردين هو الانفصال، وتحول الصراع إلى صراع بين قوى (تفكيكية) يمثلها المتمردون وقوى (وحدوية) تمثلها الدولة بجيشها ونخبها، دون أن يجلس الساسة لقراءة الواقع السياسي الجديد وإفرازاته التي ألقت بظلال ثقيلة على كل الوطن، وعلى مستقبله ومستقبل الاحتجاجات فيه، حيث برزت بعد ذلك الحركات الاحتجاجية في دارفور وشرق السودان ثم جبال النوبة والأنقسنا لاحقاً.

خطاب السيد رئيس الجمهورية لمس المشكلة.. علينا أن نبحث عن الحل.. والحكومة أولنا، رغم إيماننا بأن واقع الصراعات المسلحة لا يعبر عن حقيقة وطبيعة المواطن السوداني المتعايش اجتماعياً، وإنما يعبر عن تيار نخبوي ومتعلم داخل المنظومات السياسية والفكرية التي أسهمت في صناعة وبلورة وجدان شعبي (معادٍ للآخر) يظهر قدراً مما يعرف بمصطلح (الإثنية المركزية) التي تروج لمفهوم – خاطيء – باعتقاد البعض أن أنماط حياتهم أفضل من أنماط حياة الآخرين.

الهوية أصل المشكلة – وبعد ذلك كل شيء ممكن.
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]