عبد الجليل سليمان

المتسولون والنشالون

[JUSTIFY]
المتسولون والنشالون

لا يحتاج إثبات أن ظاهرة التسول التي تِنتظم الخرطوم وتُطوِّقْ أسواقها وشوارعها الرئيسة، عملاً منظماً تديره شبكات إجرامية، إلى أدلة وقرائن وشواهِدْ، ولا يحتاج كذلك إلى تحقيق استقصائي دقيق و(مُكرّب)، يكفي إثباتاً، تِلكْ المُشاهدات العابرة لجُموع وحشود المُتسولين الذين تختار لهم تلك (العصابات) مواقعاً بعينها (مواقف المواصلات، المساجد، المستشفيات، الأسواق المزدحمة) وخلافها من أماكن التجمعات البشرية الكبيرة.
واقع الحال، أن هناك وسائل وأساليب كثيرة ومتنوعة للتسول، لكن أكثرها رعباً وألماً هو استخدام الأطفال وذوي الإعاقة وكبار السن واستغلال ضعفهم وحاجتهم في هذه العمل المُذل والمهين، والذي يحط من الكرامة الإنسانية ويسحقها ويلقي بها في حضيضٍ سحيق.
مشهد الأطفال في ثيابٍ بالية ورثة وهم مكومين بمسكنةٍ وانكسار على أرصفة الشوارع، تلسعهم الحرارة ويعضهم البرد بسنانٍ مصقولةٍ وحادة، ليس مشهداً قاسٍ ومؤلم فحسب، بل واقعاً مخزياً يدين (الحكومة) والمجتمع كله في أخلاقة وقيمة وإنسانيته.
الراصد لظاهرة التسول لا يحتاج ليتعرف على تفاصليها إلى خبر كالمبذول في صحف أمس، بيد أنه مهم كونه صادر من جهة رسمية، إذ كشفت ورشة عمل التأمت أمس تحت عنوان (الإعاقة والتسول)، عن شبكات إجرامية تمارس تسولاً منظماً تحت إدارة بعض العُمد والشيوخ، وبحسب مدير شرطة أمن المجتمع، الذي كان يتحدث إلى الورشة أن قيمة ايجار الطفل الواحد بغرض التسول بلغت ما بين (20 إلى 25) جنيهاً لليوم الواحد.
لا شك، أن استخدام الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الإعاقة في التسول يعتبر جريمة كبرى في حق تلك الفئات الضعيفة، ولا شك أيضاً أن واجب الحكومة مكافحة هذه الجريمة دون هوادة عبر قانون لمكافحة التسول وليس تعسفاً وحشفاً.
ظاهرة أخرى تتنامى صباح ومساء، حتى صارت تؤرق مضاجع المواطنين، وهي ظاهرة (النشالين)، والكثير من هؤلاء من الصبية صغار السن، وهم ضحايا لعصابات منظمة أيضاً، يتجمعون في المواقف ومحطات المواصلات وتقاطعاتها المكتظة بالمنتظرين، ويستهدفون الجيوب والحقائب اليدوية والهواتف الجوالة. لذلك نأمل من الجهات المسؤولة أن تبتدر حملة كبرى لمحاصرة هؤلاء وإعادتهم إلى أهلهم أو إيداعهم دور الرعاية بعد تأهليهم، وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني ووزارة الرعاية الاجتماعية ورجال الإعمال وشركات القطاع الخاص.
هؤلاء المتسولون والنشالون، خاصة الضعفاء منهم، ضحية لبأس العصابات وتقاعس الحكومة وخيبة المجتمع ومنظماته التي أضحت أغلبيتها تعج بالفاسدين والانتهازيين، فهلا تكاتفنا جميعاً لوضع هذه الظواهر في سياقها الصحيح ومن ثم معالجتها وفق خطط وخرائط ومسارات مدروسة، دون (هوجة وهبتلي) قد يفاقمانها عوضاً عن القضاء عليها.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي