مهن ومحن (45)
في غالب الأحوال يكون «المدير» شخصا محسودا أو مكروها، يحسده من يعتبرون أنفسهم أولى بالمنصب، ويكرهه من يعملون تحت إمرته وإشرافه، ويحدث ذلك حتى لو كان المدير عالي الكفاءة ويحسن التعامل مع مرؤوسيه، فـ «المدير» في الذهنية العربية شخصية نمطية تتسم بالغطرسة ولا تعرف «يمه ارحميني»، وبالتأكيد هناك شريحة كبيرة من حاملي مسمى مدير تثير الضيق والكراهية بسبب سوء معاملتها لعموم العاملين في «المنشأة»، والمدير المتغطرس الجلف في تقديري لا يستحق منصبه لأنه يفتقر إلى مهارات القيادة ومنها أن تحسن التعامل مع فريقك وتكسب ثقة وولاء أفراده، وعلى كل فحامل مسمى مدير لا يتمتع في كثير من الأحيان بوضع مريح مهنيا ونفسيا واجتماعيا، لأنه وفي خاتمة المطاف مسئول عن كل إخفاق وتقصير، تماما كما أنه يكون الأكثر سعادة ونيلا للحظوة والمدح إذا كانت المؤسسة/ الشركة/ الإدارة التي يتولى قيادتها ناجحة، وكثير من الموظفين في مختلف الدرجات يشكون من أن المديرين يسرقون جهودهم، وينسبون إنجازاتهم لأنفسهم، ولكن ليس في الأمر سرقة، بل إن طبيعة أي عمل تقتضي وجود شخص على رأس الهرم الإداري والتشغيلي، وهو المسئول عن «ناتج» العمل الذي يؤديه الفريق الذي يقوده، فإذا كان الناتج إيجابيا نال الثناء والتقدير، وإذا كان سالبا انهالت المطارق على رأسه.
وكثيرون لا يدركون أن المدير قد يقسوا عليهم ويكون متشددا في أمور الانضباط والأداء والالتزام باللوائح لأنه يريد لهم ولنفسه النجاح، ولأنه وفي حال الفشل ينال التقريع وربما الشتم ممن هو أعلى منه مرتبة، أي من مجلس الإدارة أو الرئيس التنفيذي CEO أو الوزير أو حتى رأس الدولة، بل قد لا يقتصر الأمر على التقريع ويصل إلى «إنهاء الخدمات»، وبالتالي فالمدير أقل إحساسا بالأمن الوظيفي من صغار الموظفين، وبالتالي أيضا فليست «خسارة فيه» أن ينال التقريظ والمكافآت إذا نجحت الجهة التي يديرها في مهامها، ولكن المدير الناجح الذي يحظى بحب مرؤوسيه هو الذي يكافئ الموظف والعامل المجتهد ماديا أو معنويا، لأنه سينال المكافأة مضاعفة بفضل حسن أداء المجتهدين والمخلصين من مرؤوسيه.
وتعالوا ننظر حال من يكره المدير لأنه يعتقد أنه أولى وأجدر منه بالمنصب، وقد يكون الاعتقاد صحيحا، فكم من مدير فاز بالمنصب بعلاقاته بأصحاب القرار أو بقدرته على النفاق وتسويق نفسه، بينما هناك من يستحقون ذلك المنصب عن جدارة لما يتمتعون به من خبرة وكفاءة، ولكن كثيرين يحسبون أنهم أحق بمنصب المدير بسبب طول مدة الخدمة في جهة ما، بينما طول مدة الخبرة وحتى الخبرة المزعومة لا تعني أن زيدا أولى بالمنصب الرفيع من عبيد، فقد يقضي شخص ما أربعين سنة من الخدمة المتصلة في مؤسسة ما، دون أن يعني ذلك أنه أكثر كفاءة ومهارة ممن عمل في تلك المؤسسة لسبع سنوات (مثلا)، وأعتقد أن الناس يهولون من أمر «الخبرة»، وينحازون عند اختيار موظفين/ عمال إلى من لديهم سنوات خدمة طويلة في المجال المعنيّ، بينما أثبتت بحوث ودراسات إدارية أن الشخص «الخام»، إذا كان يملك الأدوات الأساسية لدخول مجال عمل ما، قد يكون أكثر وأفضل انتاجية من صاحب الخبرة الطويلة، وتحضرني هنا تجربة صديق لي التحق بعمل يتطلب فحص المناقصات والعطاءات وقام بتعديلات ضرورية لمذكرة أعدها زميل «صاحب خبرة طويلة» فاحتج الزميل صائحا: أنا أعمل في المجال منذ 19 سنة! كيف تتدخل في عملي؟ فرد عليه صديقي: معنى ذلك أنك كنت تعمل بأسلوب خاطئ 19 سنة.
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]