جمال علي حسن

“نايل” اختراق ذكي لآذان العرب

[JUSTIFY]
“نايل” اختراق ذكي لآذان العرب

قد يرى البعض أن الموضوع فارغ من أصله ولا يستحق الاهتمام الذي يحظى به، وأن قضايا السودان أكبر من مصير فنان سوداني لم يكن أحد يعرفه في منافسة تلفزيونية، ثم إنه وفوق ذلك يغني بلغة أخرى، لغة (الخواجات)..

أليس هذا ما يقوله الكثير من المثقفين السودانيين في التعليق على تجربة الفنان السوداني الشاب الذي اكتشفت موهبته قناة الإم بي سي معاوية أو (نايل)؟.

لقد تألقت من قبل روضة الحاج في منافسة عربية وكان تميزها قد ترك انطباعات جديدة عند الإخوة العرب حول تميز الأدباء السودانيين، خاصة وأن لغة شعر روضة الحاج (لغة استاندر) عربية فصحى.

اللغة مدخل مهم بل هي المدخل الأساسي لمخاطبة الآخرين، ومسألة تصدير الغناء السوداني باللهجة العامية إلى آذان العرب برغم الثراء الإبداعي للفن السوداني لكنها ظلت عصية وفاشلة نسبيا، وهذه حقيقة، إذ لا يكاد هؤلاء يعرفون شيئا عن الفن الغنائي السوداني بسبب أن الغناء السوداني لحنا وكلمات لا يخاطب إحساسهم وذوقهم الفني بل يعيش حالة غربة وجدانية بالنسبة للمستمع العربي الذي لم يستطع الفن السوداني التقاط شفرة الوصول إليه حتى الآن.

القضية تكون مهمة لأننا غير زاهدين تماما في مخاطبة نصفنا العربي بإبداعاتنا مثلما نخاطب النصف الأفريقي فينا..

وأعتقد أن نايل لم يفعل شيئا شاذا بكونه اختار خوض المنافسة من خلال الغناء باللغة الإنجليزية، لأن فن الغناء العربي الحديث وبحكم اختلاف لهجات العرب بين مشرقهم ومغربهم تراه خاضعا لمركزية اللهجة المصرية بحكم سهولتها وبحكم قوة تأثير اللهجة والثقافة المصرية والتي تحولت إلى مؤخرا إلى لهجة احترافية للغناء العربي وتحولت القاهرة في وقت من الأوقات إلى عاصمة أقرب إلى كونها عاصمة الفنون العربية ومقر احتراف الفن الغنائي العربي خاصة بالنسبة للمطربين في سوريا ولبنان ودول شمال أفريقيا، ليجد الشاب نايل نفسه أمام خيارات محددة لتقديم فن (ستاندر) يخاطب المستمع العربي فإما أن يغني باللهجة المصرية أو يغني باللهجة السودانية أو يغني بلغة الفن الغربي اللغة الأوسع انتشارا في العالم، فاختار بذكائه وقدراته لغة يتمتع بإجادتها وفنا متمرسا هو في أدائه متجنبا مأزق السلم السباعي واللهجة المصرية.

شخصيا لم أشعر بأن هذا الشاب غير سوداني أو متمرد على ثقافتنا السودانية لا في كلامه ولا حتى في سلامه، وكما قال أحد الظرفاء على الفيسبوك نايل (ما بيبوسش) أي أنه لا يصافح مدربته أو مقدمة البرنامج أو زميلاته إلا بالطريقة السودانية المعروفة.

لا تخذلوا هذا الشاب المبدع وخلونا من (هذه العقد).. الرجل فنان.. الرجل يحمل اسم السودان في منافسة عالية المشاهدة والحضور على المستوى العربي.

ساندوه اليوم وهو يشكل حضورا إبداعيا راقيا لاسم السودان ويعدل ولو قليلا من الفكرة والانطباع عن الإبداع والمبدعين السودانيين وعن ما يمكن أن يقدمه السودان من فن وإحساس جميل للعالم.

أما كنز الفن السوداني بألحانه وأسمائه الكبيرة وتأريخه فهو باق ومحفوظ عبر الأجيال ولتكن مشاركة نايل في هذا البرنامج التلفزيوني بمثابة صعقة كهربائية حميدة تلفت الأنظار للسودان..

إننا بحق في حاجة للفت النظر إلينا بإحساس جميل قدر ما هو متاح، خاصة ثرواتنا الفنية والثقافية بكنوزها ومجوهراتها ولآلئها التي تنتظر فرصة للخروج والإنتشار فمن أحب نايل وهو يغني بالإنجليزية فسيهتم به لاحقا حين يعود ويردد أغنيات وجواهر الحقيبة وأغنيات العمالقة، ثم حين يغني أغنياته الخاصة فيما بعد باللغة الغنائية السودانية.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي