أُحبُكُن جميعاً أيتُها الأُمهات
لكنك اسمعها مُغناة بصوت (مارسيل خليفة): (أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي / وتكبُر في الطفولة يوماً على صدر يوم/ وأعشق عمري لأني إذا مت، أخجل من دمع أمي!/ خذيني، إذا عدت يوماً وشاحاً لهدبُك/ وغطي عظامي بعشب تعمد من طهر كعبك/ وشدي وثاقي بخصلة شعر/ بخيط يلوح في ذيل ثوبك/ ضعيني، إذا مارجعت وقوداً بتنور نارك وحبل غسيل على سطح دارك/ لأني فقدت الوقوف بدون صلاة نهارك/ هرمت، فردي نجوم الطفولة/ حتى أشارك صغار العصافير درب الرجوع لعش انتظارك).
وفي عيد الأم، أراني، مثل (درويش) تماماً، أحن إلى خبز أمي (مكة بت إدريس نور)، أحن إلى قهوتها ولمستها، وأشتاق أن (أولد في عينيها طفلاً من جديد)، وأجزم أنها تراني كذلك، تراني طفلاً، كما ترى كل الأمهات أبنائهن حتى لو تقوست ظهورهم ومشوا على ثلاث.
وفي عيد الأم، يقتلني ويدي قلبي مشهد النساء في وطني وفي كل البلاد وهن يفقدن فلذات أكبادهن في حروب عبثية يشعلها السياسيون (ويتمرغون) هم وأبناؤهم في ما تجنيه عليهم من (تجارة وربح)، أنهم تجار الحروب اللعينة، تجار الدماء الطاهرة النقية، يشعلون فتيل الفتن ويحرفون أكباد الأمهات. إلى هؤلاء الأمهات وإلى غيرهن.. قلبي معكن.
إلى كل أم تكابد من أجل أبنائها، إلى كل أم تنتظر قدم (كبدها) الذي في المنافي البعيدة، تعيش على رائحته، على صدى صوته، على عبثه، تتعلق بـ( زرارة) في قميصة الذي تركه في ركن قصي من خزانة الملابس القديمة، أحبك أيتها الأم.
إليكن يا أمهات (الحروب) هنا وهناك، يا أيتها اللاتي يستلقين كما الليل على الرصيف كريح مجعّدة، لا أحد يركلني نحوكم، لا أحد يكوّرني ويقذفني في قلوبكم المحطمة قطرةَ دم تعيد إليها نبضها، لا أحد يسمح لي أن أقطف ظلاً لوجوهكن الجميلة، آخذ قيلولتي فيه، ثم أحنّطه في قلبي.
أيتها الأمهات الزنابق، أيتها القادمات من وجيف القلب الوجيع، ربات البيوت، العاملات الليل، الساعيات النهار، بائعات الشاي والطعام، الجائلات وعلى رؤوسهن طبق فول أو تسالي، الواقفات يتسولن على الأرصفة، النائحات في انتظار قدوم (الوليدات) الغائبين طوعاً أو كرهاً، إلى المُسنات في دور الرعاية، يبكين بصمت، وإلى اللاتي ذهبن إلى حالهن مبتسمات رغم أنف الظروف، إليهن في الرفيق الأعلى، أحبكن جميعاً.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي