سعد الدين إبراهيم

دعوة الى الانتحار


[JUSTIFY]
دعوة الى الانتحار

الزعيم الفيتنامي الراحل (هوشي منه) واجه أمريكا في حرب طويلة في سبيل حرية واستقلال بلاده… قال صحفي أمريكي يصف آخر حديث له مع الزعيم قبل رحيله بأشهر قليلة:

كان (هوشي منه) رجلاً ضئيل الجسم قصير القامة.. أحنت السنوات ظهره، ولكن لا أدرى كيف أحسست بأنني أمام عملاق عندما دمعت عيناه وهو يقول لي: إنني لا أشعر بالحزن على أبنائي الذين يموتون فحسب.. بل إنني احزن أيضاً على هؤلاء الأمريكيين الأبرياء الذين ترسلهم حكومتهم ليعتدوا على بلادنا ويلقون حتفهم فوق أراضينا.. إنني في دهشة كيف يغيب معنى الحرية عن البلد الذي كافح شعبه من أجل الحرية وأقام في قلبه تمثالاً للحرية

وقال المفكر الياباني (كاتوهيربوكي) الدولة ليست أكثر من امتداد لأهل البيت.

انتحر الشاعر اللبناني والأستاذ الجامعي (خليل حاوي) لأنه رأى فظائع الحرب على بلاده وأهوالها على شعبه.. لم يحتمل كل ذلك فانتحر احتجاجاً على الموت المجاني والآلة الحربية تحصد أهله.

أما نحن الآن فلا ننتحر ونحن نرى الفظائع والأهوال تحاصر كل يوم منطقة جديدة في جزء عزيز من بلادنا في ولايات دارفور.. كل يوم يموت العشرات والمئات.. كل يوم ينزح الألوف.. كل يوم يفقد عشرات الألوف شخصاً عزيزاً أو مكاناً عزيزاً.. قال لي مواطن دارفوري في حزن يائس.. ما ببنوا في مخيمات النزوح مدن وقرى جديدة ويتوطن فيها الناس قلت: ويتركون ديارهم وذكرياتهم قال: يتركونها في سبيل حياتهم لكي يعيشوا.. عبارة يائسة حزينة مستسلمة اترون الى أين أوصلت الحرب الناس؟!

في صحيفة المحمل.. حاور (أحمد) وهو إذاعي ومراسل الصحيفة بشمال دارفور.. قابلة شعبية نجحت بتفوق في امتحان القابلات الجدد وهن أول قابلات في المنطقة.. سألها

لماذا اختارت أن تكون (داية) قالت: ما تتفطر له القلوب إن بقيت قلوب تشعر وتحس.. قالت ما يشير إلى مأساة لا يصدقها ناس القرن الجديد.. قالت: هنا شهدت أختها وهي تلد (ولادة بالحبل)، وفقدت وليدها وكادت تفقد حياتها.. لذلك قررت أن تكون داية شعبية حتى لا تتكرر مأساة أختها.. تخيلوا أن الحرب اللعينة حرمت منطقة في السودان الحر.. من أن تكون لديها مجرد داية شعبية.. من يصدق إنه في عصر التكنولوجيا.. عصر الرفاهية.. عصر الهناء البشري .. مازالت هنالك ولادة (حبل)

صدقوني لم اتصور كيف تكون الولادة بالحبل، فاحترت في التصور أيربط المولود بالحبل ثم يجرونه جراً.. لم أدرك ذلك على الاطلاق.

سأل ذات المحرر امرأة في معسكرات النزوح عن أمنياتها فقالت: فقط ليمتنع السياسيون عن التدخل في حياتنا لأنهم (كذابين) وسبب البلاوي..

وسأل ذات المحرر طفلة متسولة أين (تودي القروش) فقالت: أعطيها لأمي حتى تصنع طعاماً لي واخوتي.. سألها: أتأكلين فيها وجبة لأنك تعملين من الصباح حتى المساء قالت: لا.. حتى تكفينا جميعاً قال لها: اتصبرين على الجوع قالت: إن جعت آكل بقايا الناس في المطاعم إن وجدت..

هذا بعض مما يحدث في دارفور.. لكن لا أحد يقدر ثمن الحرية مثلما فعل (هوشي منه).. ولا نعتبر الدولة امتداداً لأهل البيت.. وطبعاً لن ننتحر مثل (خليل حاوي).. حرام عليّ وعليكم اللقمة الهنية ونحن نترك أهلنا جوعى في بعض مناطق دارفور.. حرام علي وعليكم النوم الهانئ وأخوة واخوات لنا في دارفور يفترشون الأرض يلتحفون السماء فيا هلال وكبر.. ياجبهة ثورية ويامؤتمر وطني.. يا أحزاب المعارضة.. ويا أحزاب الاستئناس.. إذهبوا جميعاً الى الجحيم طالما دارفور تناديكم ولا يسمع الصم النداء؟!
[/JUSTIFY]

الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]