جمال علي حسن

يوم الأم.. في عالم “فاقد حنان”


[JUSTIFY]
يوم الأم.. في عالم “فاقد حنان”

مرت ذكرى يوم الأم هذا العام على عالمنا بإحساس احتفالي أعلى من السنوات الماضية، هذه ليست ملاحظتي وحدي بل ملاحظة عدد من الناس، وليس الأمر خاصا بالسودان الذي حسب متابعتي كان إحساس يوم الأم فيه عاليا أيضا.. لكنها حالة عامة عمت كل مكان، لم يكن يوم الأم هو يوم الأم الذي نعرفه، بل بإحساس مختلف جعلني أتخيل أن هذا العالم الذي نعيش فيه أصبح يتوق ليس لحنان مشابه لحنان الأم بسبب نقص الحنان فحسب، بل يعيش حالة مثل حالة ابن عاق تنتابه نزعة تأنيب لنفسه ويتوق للحظة ارتماء في حضن أمه.

في تحليلي الخاص أن هذه الحالة التلقائية التي عمت معظم أنحاء العالم في يوم الأم هذا العام كانت قد أوجدتها قسوة الحياة.. مشاهدها وشواهدها، أحداثها وحروبها، موتها والرصاص والدماء والقنابل والقبور والمجازر والأطفال المشردون.. وسوريا والأسد وكل قتلة الأطفال وكل الجثث التي لم تعد تحرك فينا ذلك الإحساس بالصدمة.

لقد استشرستنا الحياة وصادرت أحداثها القاسية ومشاهدها البشعة والدامية، صادرت منا الكثير من مشاعر الرحمة والسلام والوئام والصدق والحب الإنساني.. بما جعل العالم يتعطش للصدق والحنان، يتعطش للفطرة السليمة الصحيحة، لحب الناس لبعضهم وحب الخير.. يتعطش لهذا المنبع الأول الذي كان يسقينا من دمائه لبن الحياة وهو في قمة الرضا والاستمتاع بهذا العطاء المتدفق.. عطاء بلا مقابل سوى تلك الابتسامة التي كنا نقدمها بلا وعي أو إدراك حين نشعر بالشبع والاكتفاء.. نحن نأخذ ولا نعطي شيئا، لكنها تعطي ولا تأخذ منا شيئا..

هل سر الاحتفاء العالي هذا أن الإنسان صار يبحث عن ما يرمم مشاعره الخربة، تلك التي دمرتها الحياة مثل من افتقدت عافيته السوائل فبات مترنحا واهنا مهوما أو سقط مغشيا عليه.. أو مثل عاشق مر على أطلال محبوبته القديمة التي ضاعت منه فبكى وأكثر في البكاء والتداعي وكتابة الخواطر العاطفية الصادقة؟..

هل ضيعنا كل هذا الذي منحتنا له أمهاتنا من إحساس الخير؟، وأين نعثر على مثل هذا الشعور القديم والحب الكبير؟.. هل نطلب منهن أن يعدن علينا الدرس الأول مرة أخرى لنصحح فطرتنا؟..

ما أقوله هذا ليس (تنظيرا) ولا شطحة ناطحة لسحاب الخيال لكن عالمنا بالفعل يعاني من أنيميا الشعور الإنساني المتوازن، ولو كنا نستنكر القتل كما ينبغي لتوقف القتل فينا، ولو كنا نستنكر الظلم كما ينبغي لانتهى زمان الظلم.. لكنها الجلود الميتة الإحساس والباحثة عن مخبأ دافئ لها في ذكرى يوم الأم..

التحية لهذا الكائن العطوف الودود الصادق الذي يغطينا بحنانه ويعلمنا الحب.. التحية لهن.. الحبيبات.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي