تحقيقات وتقارير

المنظمات الوطنية..خطوات تنظيم

يبدو ان قرار سودنة العمل الطوعي بالبلاد الذي اعلنه السيد رئيس الجمهورية منذ ما يقارب الخمسة اشهر قد احدث بعض الحراك الايجابي الذي لم يكن موجودا من قبل منظماتنا الوطنية.. وربما يمثل هذا الحراك محاولة من بعض المنظمات للاستعداد لتولي توزيع المعونات بالسودان خلال اقل من عام تتوقف بعده المنظمات الدولية عن توزيع المساعدات، وتكتفي بتسليم الاغاثات في المطارات والموانئ لتتولى المنظمات الوطنية ايصالها للمحتاجين حسب ما قاله رئيس الجمهورية. ولكن السؤال المهم هنا هل تفلح محاولات المنظمات الوطنية في الاستعداد بشكل جيد؟ وهل تستطيع ان تبطل تكهنات الخبراء والمختصين بعدم مقدرتها على اداء مهام نظيراتها الاجنبيات؟
? ربما كان لدى الحكومة السودانية عدد من الحجج والدفوعات لطرد وايقاف عمل العديد من المنظمات الاجنبية العاملة في المجال الانساني بدارفور، حيث تحدث الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية ووزير الخارجية السابق في سلسلة حلقاته التي كتبها في عام 2007م لجريدة «الشرق الاوسط» التي اجاب فيها عن سؤال « كيف ترى الخرطوم ازمة دارفور؟» .. وركز في الحلقة العاشرة من هذه السلسلة التي نشرت بتاريخ 6 اغسطس العدد «10478» على نشاط المنظمات العاملة بدارفور.. مصطفى ذكر امثلة للتجاوزات التي تحدث بالقول «من نماذج التجاوزات الفاضحة للمنظمات الغربية بدارفور ما قامت به منظمة الانقاذ الدولية التي وصل بها الامر الى حد توقيع مذكرة تفاهم مع المحكمة الجنائية الدولية، والمطالبة بتدخل القوات الدولية في دارفور، ومحاولة تهريب طفل من معسكر كلمة بولاية جنوب دارفور الى خارج البلاد، كما ان منظمة «ان. ار. سي» النرويجية قامت بعقد لقاءات سرية دون علم وموافقة السلطات بغرض شن حملة دعائية بمعسكرات النازحين، اذ قامت المنظمة بتلقين النازحين افادات محددة يرددونها امام الزوار والصحافيين الغربيين، واعدت تقارير كاذبة بأسماء وبيانات نساء قالت انهن اغتصبن بولاية جنوب دارفور».
? ويواصل مصطفى متحدثا عن تجاوزات المنظمات «منظمة كير الامريكية تقوم باستيعاب وتوفير غطاء لعناصر الامن والاستخبارات الغربية، وتنظم زيارات للوفود الاعلامية بغرض جمع المعلومات والتصوير بغرض إقامة حملات لجمع التبرعات وتأليب الرأي العام على السودان.. ومنظمة رعاية الطفولة البريطانية اصدرت بيانا يدعي استخدام الحكومة للطيران الحربي، كما اصدرت منظمة «اوكندن انترناشونال» بيانا يطالب بالحكم الذاتي للبجا ودارفور.. ومن أسوأ ما تقوم به هذه المنظمات المعادية استغلالها للمنابر الاعلامية الدولية لتبرير وجودها في دارفور، واستدرار عطف المانحين، وتكثيف الضغوط على الحكومة السودانية، واستمرار الازمة لاطول وقت ممكن».
? وعن دورها في أزمة دارفور تحديدا قال مصطفى بعد أن القى باللائمة على المنظمات الاجنبية، انها ساهمت في تصعيد ازمة دارفور وصولا لمصطلح الابادة الجماعية. وقال «اعلنت المنظمات اليهودية في سبتمبر 2005م انها وصلت دارفور وتعمل وسط النازحين واللاجئين، والتمست من جميع الحضور التبرع لصالح برنامج «واشنطن دي سي تحب دارفور»، وسير التحالف اليهودي مظاهرة الي البيت الابيض خاطبها الرئيس بوش يوم 28 ابريل 2006م. وبلغت الحملة ذروتها يوم 30 ابريل 2006م عندما نظم تحالف انقاذ دارفور اضخم مسيرة شملت بالاضافة الى العاصمة واشنطن 17 مدينة اخرى، وخاطب المسيرة عدد من النشطاء المعادين ابرزهم جون بريندار غاست وجورج كلوني والسناتور باراك أوباما، اضافة الى مساعدة وزيرة الخارجية الامريكية للشؤون الافريقية جنداي فرايزر، وطالبوا الرئيس بوش بتطبيق المزيد من العقوبات على السودان والضغط لنشر قوات متعددة الجنسيات لحفظ السلام في دارفور، واتهموه بالفشل في قيادة المجتمع الدولي لفرض عقوبات على السودان».
? سألت السفير علي الصادق المتحدث باسم الخارجية السودانية في تحقيق عن المنظمات الاجنبية نشرته «الصحافة» في وقت سابق، عن تجاوزات المنظمات الاكثر حدوثا.. اشكالها.. واسبابها.. وكيف تتعامل معها السلطات.. وكم تبلغ نسبة مثل هذه المنظمات من مجمل المنظمات العاملة بدارفور؟.. الصادق قال ردا على السؤال «هنالك من يعمل على تزويد دول اخرى بمعلومات تتعلق بنشاطه او نشاط الاجهزة الامنية بالمنطقة، وهنالك من يحاول ان يقدم معلومات للمتمردين او دعما ماليا وعسكريا .. وكلها مسببات لطرد المنظمة».. ويشير الصادق الى ان المنظمات غير الحكومية تقوم أساسا على جمع التبرعات من المؤسسات والافراد وتحديدا بالدول الغربية لصرفها على مناطق النزاعات والصراعات، ومن المنطقي ان كل من يمول منظمة ينتظر مقابلا .. ويتابع «نرجح ان بعض المنظمات ترد المبالغ التي استلمتها في شكل خدمات اخرى من ضمنها المعلوماتية والاستخباراتية.. ولكني اؤكد ان المنظمات ذات الغرض ليست الغالبية، فالغالبية تعمل بشفافية ومهنية، وهدفها انقاذ المواطنين ومساعدتهم للتخلص من اوضاع معينة غير مقبولة، وهي تعمل بالتنسيق مع السلطات المختصة لتحسين الاوضاع بدارفور».
? الدكتور احمد المفتي مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الانسان والخبير في مجال المنظمات، يتناول الامر من زاوية اخرى بالقول «اذا لم تكن هنالك تجاوزات، فهل حقيقة ان المنظمات تؤدي خدمة تساوي المبالغ التي تستلمها باسم مواطني دارفور؟ وهذا جانب في تقديري مهم لأن كافة الاحصاءات الصادرة عن الامم المتحدة والاجهزة الدولية المعنية تقول إن تكلفة الادارة والافراد العاملين في المنظمات تستوعب جزءا كبيرا من المعونات التي تستلمها، ولذلك ما يصل للانسان المعني قليل جداً».
? اذن فاشكالات العمل الطوعي الاجنبي بالسودان كبيرة ومتشعبة، ووجدت مناخا ملائما في اقليم دارفور.. ولكنها في المقابل وحسب البيان الذي اصدرته مجموعة من المنظمات الانسانية العاملة بدارفور عقب حادثة اختطاف اطفال المعسكرات بواسطة منظمة ارش دو زوي، فإن «85% من العمل الانساني في دارفور تقوم به المنظمات غير الحكومية الدولية، الشيء الذي يطرح تساؤلا حول قدرة المنظمات الوطنية على سد هذا العجز في حال خرجت المنظمات الاجنبية من السودان، وهو التساؤل الذي اجاب عنه العديد من الخبراء بأن منظماتنا غير قادرة على سد هذا العجز لاسباب عدة.. ولكن في ما يبدو فإن المنظمات الوطنية تجاوزت هذا الاستفهام الى نقاط اخرى، حيث عقدت منظمة سواعد الشباب للتنمية والتعمير في السادس عشر من يوليو الجاري بمركز الشهيد الزبير منتدى حول «توطين العمل الطوعي بالسودان الآثار والنتائج».. رئيس المنظمة مولي مكي مجذوب أجاب على سؤالي له حول هل يمكن أن تقوم المنظمات الوطنية بدور الاجنبية؟.. فقال «يمكن أن تقوم المنظمات السودانية بدور الاجنبية ولكن الأمر يتطلب العديد من الاشياء، مثل توفر الموارد المالية وتأهيل الكادر البشري والايمان بالأهداف الموضوعة، والاشراف والمتابعة من جهات الاختصاص في الدولة، وهذا يندرج ضمن برنامج وطني».
? الامكانات كانت احدى المعضلات التي قال الخبراء انها ستواجه المنظمات الوطنية، وهو ما اكده لي مولي في حديثه السابق .. ولكن لماذا لا تتمكن المنظمات الوطنية من ان تستجلب الدعم المادي الذي يمكنها من التحرك بصورة اكبر وانفع؟.. مولي قال «الدعم مطلوب، فدونه لا نستطيع أن نصل لمناطق الكوارث التي تتطلب معينات من سيارات وغيره.. ولكننا ليست لدينا تجربة التمويل الخارجي الذي يتطلب تفعيل المكاتب الخارجية، ونحن نسعى لهذا الشيء ولدينا تجارب مبشرة امامنا».. ويرى مولي ان هنالك العديد من المنظمات الوطنية المعروفة مثل السقيا والشهيد الزبير وغيرها، كانت لها ادوار كبيرة بدارفور وكسلا وغيرها من المناطق..
الاستاذة احلام مهدي صالح عبد المحمود الامين العام لمنظمة احلام لتمكين المرأة ورعاية الطفل، ترى انه ولكي تتمكن المنظمات من اداء دورها فإنه يفترض على الدولة أن تؤهل وتدرب الكوادر الناشطة في المجتمع المدني، وان تدعمها دعما ماديا وادبيا ومعنويا، وان يكون التعامل بمصداقية وشفافية وعدل لخلق البديل الوطني المميز.
? المنظمات الوطنية وهي تتجه لتوسيع عملها بصورة اكبر، تؤكد على عدة اشياء لا بد من توفرها، بجانب ما ذكر في الاسطر السابقة.. مولي قال «نوصي نحن في سواعد الشباب بضرورة قيام دورات تدريبية عن إدارة المنظمات، ونحن الآن نعمل على الاعداد لدورة من هذا النوع في الاسابيع القادمة».. أحلام ترى ضرورة أن يشارك المجتمع المدني في وضع الخطط والاستراتيجيات وسن القوانين، وأن توضع ميزانية مخصصة من وزارة المالية للعمل الإنساني، وألا يربط العمل الإنساني بالسياسي، وعدم هيمنة المنظمات «الكبيرة» على العمل الإنساني، وأن تتحلى المنظمات الإنسانية بالشفافية والعدل، وتدريب وتأهيل المنظمات الوطنية ورفع مقدراتها، وعدم ربط العمل الإنساني بالجهوية والقبلية والاثنية والعرقية.
? محاولات التدريب والتأهيل والبحث عن دعم حكومي أو غير حكومي، بعض ما تقوم به المنظمات الوطنية، حتى تستطيع أن تلعب دورا في ميدان العمل الإنساني.. ولكنها محاولات فردية تحتاج للدعم والمساندة من الجهات الرسمية والمعنية بأمر المنظمات حتى لا يُكتب لهذه التجارب الفشل بسبب الدعم والامكانات.

سلمي فتح الباب:الصحافة