الطاهر ساتي

مطلوب سوداني أو أكثر

[JUSTIFY]
مطلوب سوداني أو أكثر

:: مقدمة الزاوية هي (مخاض الأقلام )، وفي حياة الناس من الوقائع ما تعجز الأقلام عن كتابة المقدمات، كهذه الوقائع ( نموذجاً).. أحمد عيسى، من البسطاء الذين جاءت بهم أقدار الزمان من الأرياف إلى المدائن في سبيل البحث عن حياة تتوفر فيها الحد الأدنى من الخدمات .. ولد بإحدى قرى شمال كردفان في (العام 1968)، ثم نشأ فيها، وغادرها إلى الخرطوم ولم يكن قد أكمل تعليمه، وكان الحلم – عند المغادرة – أن يكسب الخرطوم رزقاً يبني به حياته ويعيش به والدته بعد أن مات والده وهو في العمر صبياً.. إستقر بالخرطوم، وتحقق بعض الحلم عندما إلتحق باحدى الشركات عاملاً تحت التدريب، ثم عاملاً مؤقتاً..!!

:: إستأجر منزلاً متواضعاً بالحاج يوسف، وشرع في تأثيثه مع أمل إحضار والدته ثم إكمال نصف الدين لتكون حياته أكثر إستقراراً.. تفاجأ ذات ليلة بأحد زوار الليل يأتي قافزاً جدار الحوش ويفتح غرفته الوحيدة بغرض السرقة، وسريره لم يبعد كثيراً عن باب الغرفة..توجس قليلاً، قد يكون اللص مسلحاً و أي حراك يصدره تجاه اللص – بالصراخ أو بالمقاومة – قد يقضى على حياته.. ولكن ترك اللص يسرق ما يشاء ويغادر بلا مقاومة نوع من الجبن ويستفز كل أهل السودان حسب أحكام ( الثقافة العامة)، ولذلك توكل أحمد على الله ونهض سريعاً ثم فاجأ اللص ب (لكمات وكفوف)، ثم تحول المشهد إلى مصارعة حرة لايحكمها أي قانون ….!!

:: تصارعا وحدهما في ملعب بلا جمهور أو حكم، وإستخدما في ضرب بعضهما ما توفرت من الأسلحة البيضاء ( عكازاً كان أو سكيناً)، وعندما إرتفع صوت المعركة وما فيها من لعن وسب، إستيقظ و أناروا بيوتهم، وهنا لم يجد اللص حلاً غير الهروب تاركاً آثار المعركة.. وكالعادة، طاردوه – أحمد وجيرانه – حتى ذاب في الظلام.. وذهب أحمد إلى قسم الشرطة بالحاج يوسف مصطحباً جيرانه – كشهود – و دون بلاغاً بما حدث.. وفجراً غادر المنزل إلى عمله بعد إطمأن عليه الجيران بعبارات من شاكلة : ( حمد لله على السلامة)، ( والله جات سليمة)، ( ما كان تقاوم، هسة لو كتلك؟)، ( كان تناديني وانت راقد)، وغيرها من التبريكات والبطولات ..!!

:: ولكن، ( هنا المأساة).. عندما أحمد عاد إلى المنزل بعد ساعات العمل، وجد الجيران يتحدثون عن شاب – مجهول الهوية – عثر عليه بعض أهل الحي وهو ينزف دماً قبيل الفجر بطرف الحي وأسعفوه ولكنه مات بالمستشفى، وأن الشرطة تتحرى عن أسباب وفاته.. ذهب إلى قسم الشرطة ثم منه إلى المستشفى ، وهناك تفاجأ أحمد : ( بس، يا هو ذاتو)، ( جاني متلب، واتضاربنا، وشرد)..مات، عليه رحمة الله .. وكان طبيعياً أن يتم تحويل أحمد من شاك إلى متهم، بين ليلة ونهارها.. ولم تستغرق جلسات المحاكمة زمناً طويلاً، فالوقائع كانت واضحة، وكذلك الشهود ثم إعتراف أحمد بما حدث .. وحكمت عليه محكمة الحاج يوسف بسنتين سجن مع دفع الدية الكاملة، وكان ذلك بتاريخ ( ديسمبر 2004 ).. إنها أقدار الله، وهكذا تأتى المصائب من حيث لا تحسب الناس، ليمتحن صبرهم ..!!

:: ولكن المحزن، أكمل أحمد عقوبة السجن في تاريخ ( ديسمبر 2006)، ولم يغادر سجن مدينة الهدى الإصلاحية بأمدرمان إلى يومنا هذا ( مارس 20014).. مرت تسع سنوت منذ إكماله لفترة السجن، ومع ذلك لم يغادره .. ليغادر السجن ، كان عليه دفع مبلغ الدية الكاملة ( 30.000 جنيه)، ولكن من أين له بهذا المبلغ وهو عامل اليومية البسيط ؟.. والدته، تقدمت بها سنوات العمر وتعيش مع إبنتها بحد الكفاف..وغير هذه الوالدة وشقيقته ذات السبعة أطفال وصبيان بتلك القرية النائية، ليس لأحمد غير الصبر والدعاء بالفرج، وقبل كل هذا وبعده كان له الله ثم أقداره والأخيار من عباده باذن الله..سنوياً، عند كل رمضان، يترقب دوره في قوائم الزكاة ومشاريع الراعي والرعية، منذ تسع سنوات..على كل حال، مجتمعنا لن يخيب ظننا، فالمطلوب سوداني أو أكثر للمساهمة في دفع الدية لمحكمة الحاج يوسف، ليخرج أحمد من غياهب السجن إلى ..( حياة والدته)..!!
[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]