سعد الدين إبراهيم

أبو شعر وخضوري

[JUSTIFY]
أبو شعر وخضوري

رغم انه لا يملك شعراً ظل لقب (أب شعر) لصيقاً باسمه.. هو من نجوم المجتمع الرياضي في حلتنا.. عضو نادي الحي الرياضي.. يكتب في الصحف آراء عن قضايا الرياضة المحصورة في كرة القدم.. وفي سيرته الذاتية انه عندما كان صبياً لعب لفريق (المرابط) الرياضي بمدينته التي نشأ فيها في الولاية الوسطى.

ناس الحلة يتهمونه بالتقصير تجاه فريق الحي الذي لا يذكره في كتاباته إلا لماماً.. عرف بكتاباته النارية العدوانية مما يجعلها سريعاً ما تتحول الى معارك لا يتورع في خوضها مع الجميع.. البعض يشيع انه يسعى لأن يكون ضمن إدارة أحد فريقي القمة وهذا أصبح طموحه الوحيد.. لذلك ينتقد بضراوة هذه الإدارات.. دائماً ما تقوده كتاباته الى مخافر الشرطة، ولكن سرعان ما تتدخل الأجاويد وينهون القضية بطريقة ودية.. ربما بسبب ذلك تتحاشى معظم الصحف نشر كتاباته.. ومرة صرح في مزاح مغلف بالجدلقد (بوظت) علاقاتي بحمد الله مع كل الصحف ولم يبق إلا صحيفة (أبناء المدينة) التي يخشى صاحبها من لساني الحاد.. وصحيفة (الرصيف) الاجتماعية التي لا تجد كاتباً في قامتي.

ظل يفاخر بأنه مكتشف نجوم الكرة في بلادنا على مر العقود، فهو الذي اكتشف اللاعب القديم (الفاتح دِرب) وهو مكتشف (حسن نفاثة)، (محمد الدبيب)، (فريد لصقة)، (عادل النيمات) و(نصري ماردونا).. ويحكي عن انجازاته في معارك التسجيلات وكيف انه أخفى (حسن نفاثة) في حرز أمين ولولا ذلك لكان خطفه فريق القمة الخصم، وأنه هو أول من لفت النظر الى فنون ومهارات (محمد الدبيب) أما (عادل النيمات)، فقد تبناه منذ كان طالباً وشاهده في منافسات الدورة المدرسية.. وذلك ما ظل يذكره في كل لقاء معه وفي كل حوار يجرى معه عبر كل الوسائط.

وبعد الحوار الأخير الذي أجرته معه صحيفة (دائرة السنتر) الرياضية.. أعاد تكرار حكاية كونه مكتشف النجوم وأعاد ذات الأسطوانة مما حدا بالكاتب السليط (النذير علي حسن) ان ينبري له في عموده (أوردة رياضية) في صحيفة (المسطبة) وقال في تحدٍّ له (لو سلمنا بأنك مكتشف هؤلاء النجوم فإن ذلك كان في الماضي.. ولكن منذ ظهرنا وبدأنا نمارس الكتابة الرياضية لأكثر من عقد من الزمن لم نسمع بأنك اكتشفت لاعباً.. أو حتى كتاباً رياضياً).. وأضاف: (ونحن في انتظار إبداعات اكتشافاتك، فهلا اكتشفت لنا لاعباً جديداً ونجماً جديداً).. ثم ختم كلامه بأن وصف أبو شعر بالأسد الهرم.. والنمر العجوز.. والذئب الذي سقطت أسنانه.. والصقر بلا مخالب، فحز التعليق في نفس أبو شعر خاصة انه يعتبر النذير كاتب الأوردة من (أولاده) الذين يحبهم ويحبونه!

جلس أبوشعر مع نفسه.. وقرر ان يبقى في بيته ويستقر فيه.. وقرر مقاطعة كل تجمع أو لمة وجعل شعار المرحلة عبارات الشاعر الظريف الراحل(يلا بلا لمة)، وأخفى نفسه تماماً فلم يعد يرتاد المنتديات.. وقاطع حتى المناسبات الخاصة والعامة وأسمى الفترة (استراحة محارب).. يريد الآن ان يتفرغ للاستمتاع بمتابعة مباريات كرة القدم عبر القنوات الفضائية الرياضية يتابع المباريات العالمية.. فقد عاش كل عمره يكتب عن كرة القدم وفيها.. ويؤرخ لها، ويوثق لرموزها فماذا كانت النتيجة؟.. انحنى الظهر.. وقلت القدرة وراح زمان حماس الشباب.. وآخرة المخيرة يجي شافع زي ده.. قدر أولادي يشكك في مصداقيتي وينتقدني)..!

(خلاص بعد ده) لا بد ان يكون عقلانياً.. وقد قصر نشاطه المحلي على مشاهدة كرة القدم عبر أبناء الحي الذين يتمرنون ويلعبون مبارياتهم في الميدان الواقع أمام بيته مباشرة.. كل عصر يخرج كرسيه ومنضدة عليها ثيرموس الماء.. وثيرموس الشاي.. ويشاهد أولاد الحلة يلعبون.. مرات يشاركه الجلوس بعض أفراد الحي.. يجلسون مرة على الأرض.. أما أصحاب الفخامة فيرسل لإحضار الكراسي لهم.. وأثناء المشاهدة يتحدثون عن قضايا الرياضة.. ومرة مرة يعلقون على لعب الأولاد في الساحة.

تمر الأيام كسولة و(أبو شعر) يواصل اعتكافه ويتفرج على مباريات وتمارين أولاد الحلة، وفي متابعته للعب ومهارات الأولاد لاحظ ان الولد(خضوري) يمتاز بهدوء شديد في طريقة لعبه وفي سلوكه.. لكنه مرات يأتي بحركات آية في التفنن ولكنه يكتفي بذلك ولا يبدع طوال المباراة. وأتته فكرة وتسلطت عليه أن يصنع من خضوري لاعباً في فريق القمة الذي ينتمي اليه.. أو حتى الفريق المنافس.. المهم ان يواصل سلسلة اكتشافاته للنجوم.

كلما شاهد الولد(خضوري) رأى فيه ملمحاً ايجابياً.. فهو نواة طيبة للاعب كبير لو خضع للتدريب والتوجيه.. تعاطف (أبوشعر) مع فكرة صناعة لاعب.. والفكرة في حد ذاتها هي سبب حماسه..(خضوري) ليس سوى الوسيلة التي يحقق بها الفكرة.. وبسبب ذلك اتصل بمدرب فريق الحلة وطلب منه ان يهتم(بخضوري) أكثر وأن يخضعه لتدريبات خاصة.. كذلك حدَّث رئيس النادي عن السمات التي يراها في اللاعب، وأن اللاعب يذكره بعدد من الأفذاذ مثل (برعي والمحينة).

قال المدرب إن (خضوري) صحيح من اللاعبين الذين يرجى منهم لو(أخد المسألة جد) لكنه لا يتحلى بالانضباط اللازم.. وكرة القدم ليست من اهتماماته الأساسية.. فقال علينا ان نحرضه ونحفزه على ان يكون نجماً كبيراً.. وأخذ يجمع المعلومات عن (خضوري) ويحاول النهوض به حتى يهتم بالكرة لأنه مشروع لاعب خطير.

(خضوري) فوجئ بالأضواء المسلطة عليه.. وباهتمام المدرب والرئيس المفاجئ به.. واندهش من ترشيح (أبوشعر) له واهتمامه به.. بل نشرت جريدة (الكورة أقوان) في باب الأسرار ان موهبة خطيرة أسمها (خضوري) يعكف كاتب وناشط رياضي كبير شبه معتزل على مفاجأة الجماهير به.

واتصل به محرر صحيفة (الرصيف).. وأجرى معه حواراً بعنوان(أول حوار مع اللاعب القادم بقوة.. خضوري) ونشرت صورة كبيرة له.. وأصبح أولاد الحلة يشيرون اليه باعتبار ان صحيفة (الرصيف) بجلالة قدرها أجرت معه حواراً وتنبأت له بمستقبل باهر.

(خضوري) فوجئ بالأمر.. بدا له الموقف في ظاهره طريفاً ومسلياً .. لكنه انتبه فجأة الى انه لم يكن مستعداً على الإطلاق ان يكون لاعب كرة قدم مشهور .. صحيح انه يحب ان يلعبها لكن مجرد هواية.. ليس بالضرورة ان يكون مجيداً فيها.

وكثيراً ما كان يسرح أثناء سير المباراة وينسى الكرة والميدان.. وفجأة يجد الكرة أمامه فيمعن في التفنن بها.. فقد وجد الكرة أمامه صدفة.. إذن ذات الصدفة قد تجئ حركة فنية آية في المهارة.. ولكن ان يكون الأمر على هذه الشاكلة ان ينضم لفريق كبير.. ويلعب أمام جماهير كبيرة.. بل ان يلعب لنادٍ في الدرجة الثانية دعك عن فريق قمة فلم تكن أبداً ضمن أجندته.

استمر الاهتمام والتدريبات.. وحتى المدرب اندهش من الاهتمام (بخضوري) فبذل جهده في ان ينهض بمستواه.. لكن تتابعت الأحداث ودخل سماسرة الكرة الجولة وأصبح (خضوري) شغل الجميع الشاغل.

أهل الحي ذاتهم صدقوا الحكاية وأخذوا يعلون من قدر (خضوري) وأصبحوا لا ينادونه إلا بـ(يا كابتن).. هم أيضاً بدأوا يحلمون بأن ينتج الحي لاعب كرة مشهور .. وصدق الحي الحكم وأخذوا يدعمونه وحين يسأل عنه أهل الأحياء المجاورة سرعان ما ينبري لهم أبناء الحي ليتحدثوا عن لاعب أسطوري يحلمون به في (خضوري) وألحقوا به مهارات وقدرات خيالية وتحدثوا عن الأهداف البارعة التي يحرزها.

حمى التسجيلات.. ومنافسات شرسة بين ناديي القمة.. ومبالغ ضخمة عرضت عليه.

بعد كل هذا وجد (خضوري) نفسه فجأة لاعباً في فريق القمة.. وجد الأمر مختلفاً المهارات أعلى.. التدريب شاق.. الجماهير صاخبة والتكاليف باهظة.

الصحف تكتب عنه.. القنوات التلفزيونية تستضيفه.. الإذاعات المجلات.. حتى الشركات بدأت تتصل به ليظهر في اعلاناتها بمقابل كبير.. فتجد صورته على لوحة كبيرة كتب عليها(خضوري نجم المستقبل.. ونحن نصنع المستقبل الأجمل).

أصبح (خضوري) نجماً بلا فعل نجومي.. هو ذاته بات في حيرة من أمره.. تسلمه الدهشة للدهشة، وهو يعرف أكثر من الجميع بأن مستواه لا يؤهله لهذا الدور الكبير والخطير.

أصبح أمام (خضوري) ان يكون أو لا يكون.. لذلك يلاحظ الناس ان (خضوري) لاعب مزاجي (يوم في السما.. ويوم في الواطة) انه يشكو دائماً من حالته النفسية وبدأ يتحدث عن أمراض وهمية تصيبه..حاصرت(خضوري) الأوهام.. لكن الجماهير تصر إصراراً وتلح إلحاحاً.. على محاصرته بالهتاف الداوي (خضوري وجودو ضروري).

فهل سيكسب (أبوشعر) الرهان..؟!
[/JUSTIFY]

الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]