مهن ومحن (53)
هناك فئة مظلومة في قطاع الخدمات الطبية في بلداننا، وهم الصيادلة، فرغم أنهم ركن أصيل من أركان الطب العلاجي والوقائي، إلا أنهم لا يجدون التقدير الواجب حتى من القائمين على أمر الخدمات الطبية، ولا أفهم لماذا يتقاضى الطبيب راتبا أكبر من راتب الصيدلاني (لا تقل إن فلان «صيدلي» لأن ذلك يعني أن فلانة «صيدلية»!! ما يصير بنت الناس تصير «محل» فيه رفوف وأدوية بالصفوف) ولا لماذا ما زلنا نهمل دور الصيدلاني في توصيف العلاج للمريض، بإنعاش ما يسمى الصيدلة العلاجية/ السريرية (كلينيكال فارماكولوجي)، واعتقد ان الصيادلة مقصّرون في أمور أنفسهم، فالصيدلاني يحتفظ بنفس المسمى ولو مارس المهنة بكفاءة لخمسين سنة، بينما الطبيب يصبح اختصاصيا (نبهني مدرس لغة عربية إلى أن استخدام كلمة «أخصائي» لوصف الطبيب المختص في أحد فروع الطب أمر مسيء، لأن الأخصائي وعلى ذمته هو من يقوم بإخصاء الذكور من الكائنات)، ثم يرتقي من اختصاصي إلى استشاري، بل ويصبح مسماه في دنيا الطب «مستر»، وفي هذا تجريح لكل المهنيين في مختلف المجالات، لأنه لو صار الطبيب في مرحلة ما جديرا بلقب مستر، فمعنى ذلك أن من يبرع في مجال آخر يكون «مسز».
ولم ينتبه الصيادلة لأمر وضع درجات مهنية تؤكد طول باع المستحق منهم لمسمى يجعل من حوله يدركون أنه بارع ومتميز و«لورد» وليس مجرد مستر، ولابد هنا من الإشادة بشطارة المختصين في طب النساء والولادة، فقد نجحوا في احتكار كل المجالات المتعلقة بالمرأة (أمراض النساء وشؤون الحمل والتوليد)، في الوقت الذي تفتت فيه التخصصات الطبية الأخرى إلى تخصصات فرعية دقيقة فصار هناك مثلا في مجال طب الأطفال اختصاصي في أمراض الجهاز العصبي والدماغ للأطفال واختصاصي قلب للأطفال، واختصاصي ختان (للأطفال طبعا)، وقس على ذلك في بقية الميادين الطبية، ولكن جماعة النساء والولادة كانوا أذكياء لأنهم أدركوا أنه لو تم تفتيت ذلك المجال إلى تخصصات فرعية فسيصبح بعضهم، وبالتحديد من يتخصصون في عمليات التوليد فقط «دايات/ قابلات» فقط، ويكون دورهم مثل دور لاعب كرة القدم الذي لا يحسن إلا تسديد ضربات الجزاء، لأن المختص في مجال التوليد فقط يجلس في انتظار أن يقوم المختص في «شؤون الحمل» بمتابعة نمو الجنين طوال تسعة أشهر، ثم يعطيه الفرصة لربع ساعة أو أكثر ليمارس التوليد، ولكن ما إن شهد الطب طفرات ماراثونية حتى انتزع جماعة أمراض النساء والتوليد مجالات في منتهى الأهمية فصار هناك شيء اسمه طب الجنين، وزراعة الأجنة، وأمراض العقم والخصوبة، بل إنهم الأبرع في مجال معالجة سرطان المبيض والرحم
وعقبال جماعة الأمراض الجلدية الذين ظلوا يحتكرون أيضا «الأمراض التناسلية»، ونحن في انتظار فك الارتباط بين المجالين، لأن الإنسان العامي لا يعرف ما الصلة بين قشرة الرأس، والزهري أو السيلان/ التعقيبة وهما مرضان ينتقلان بالاتصال الجنسي، وبالمناسبة فالعوام يحسبون أن تخصص الأمراض الجلدية والتناسلية ليس في قامة ومكانة بقية التخصصات الطبية، وما لا يعرفه كثيرون هو أنه، وفي الولايات المتحدة مثلا، لا يتم السماح لطبيب بالتخصص في هذا الميدان ما لم يكن الأفضل بين أقرانه.. عجيبة!! صح؟ طيب ما رأيكم في أن من يرغب في دراسة القانون في جامعة بريطانية محترمة يجب أن يكون حاصلا على مجموع/ درجات أعلى ممن يرغب في دراسة الطب أو الصيدلة أو الهندسة في امتحان الشهادة الثانوية العامة؟ عفوا فالكلام جاب الكلام ولي عودة إن شاء الله إلى موضوع الصيدلة والصيدلانيين.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]