حيدر المكاشفي

جن الانقاذ المعروف

[JUSTIFY]
جن الانقاذ المعروف

في الطرفة أن أحد إخوتنا الجنوبيين (قبل الانفصال طبعاً) كان يمالئ الإنقاذ ويؤيدها بحكم العادة والتعود، حاول مرة بعض أقطاب المعارضة استقطابه إلى جانبهم، ولكنهم عبثاً حاولوا نزعه من صف موالاة الإنقاذ وضمه إلى جانبهم، لم يتركوا سيئة ولا خسيسة أو دسيسة إنقاذية إلا أحصوها له، ورغم ذلك ظل مستمسكاً بإنقاذيته، لجأوا لحيلة أخيرة علها تنجح معه فعرضوا عليه مبلغ مائة ألف جنيه (بالقديم طبعاً) حيث لا قبل للمعارضة المفلسة بالملايين.. على طريقة أكلوا توركم وأدوا زولكم.. قبض صاحبنا مبلغ (الكرية) وأدخله في جيبه ثم (تبنه) بكلتا يديه، بعد أن اطمأن إلى أنه قد أحكم قبضته على المبلغ، أشاح بوجهه بعيداً وقال (إنقاذ دا ااااي ما كويس وبجي كرانج خالس خالس لاكين بس نحنا إتعودنا عليهو)، وللمعلومية كرانج بلغة الدينكا تعني تعيس وبائس، وكأني بهذا الأخ الجنوبي الفاضل أراد أن يقول (جناً تعرفوا ولا جناً ما بتعرفوا)، وهذا من الأمثلة السودانية السالبة والانهزامية المعروفة. ذاعت عن البروفسور إبراهيم غندور مساعد الرئيس خلال اليومين الماضيين، عبارة تكاد تتطابق مع مقولة أخينا الجنوبي وتقع وقع الحافر على الحافر مع مؤدي المثل الشعبي (جناً تعرفوا ولا جناً ما بتعرفوا) وفي العبارة اعتراف ضمني من البروفسور ب(جن الإنقاذ).. غندور قال لوكالة “فرانس برس”: “نعرف أن ارتفاع الأسعار لا يطاق بالنسبة للناس العاديين، ونتوقع دائماً أن يتظاهر الناس، لكن السودانيين أذكياء جداً. ومن الذي يرونه حولنا أعتقد أنهم يؤمنون بأن الصبر على الإنقاذ أفضل لهم”. وباختصار أيضاً كأنما أراد البروفسور أن يقول إن الإنقاذ بالنسبة للسودانيين هي بمثابة الجن الذي عرفوه وألفوه وفضلوه على ما عداه من (مجانين).. بدا لي أن غندور بمقولته هذه إنما يصف السودانيين في أحسن الأوصاف بالعجز والاستكانة والمسكنة وليس الذكاء كما قال، ذلك لاستشهاده على ما أسماه صبرهم الإنقاذ قد حمل معنى ومغزى ذلك المثل السالب الذي يغيب العلم ويلغي تفسيراته ويبرر للعجز عند مواجهة الصعاب، ويعمد للإبقاء على السيء خوفاً من أن يكون البديل أسوأ، وهذا مما يناقض المبادئ الديمقراطية ويتقاطع مع مفهوم الحرية ويصادم العدالة، علاوة على أنه يدعو للتخذيل والاستسلام والتسليم بالأمر الواقع ويكرس للتقاعس، وألا يتطلع الإنسان لأبعد من موقع قدميه، وألا ينظر لأبعد من أرنبة أنفه، ويظل حبيساً بين ماضيه الآفل وحاضره المعيش فقط، بلا نظرة للأمام وللغد والمستقبل.. أذكر أن المبدع سعد الدين إبراهيم قد (نجر) في إحدى تجلياته مثلاً مضاداً لمثلنا المذكور يقول: “جناً تعرفو ولا ما تعرفوا حقو تختا”، وهذا هو المفروض، وكفانا الله شر الجن والجنون والمجانين.
[/JUSTIFY]

بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي