جمال علي حسن

قيود حِمّيْدة وإحساس النائب الأول


[JUSTIFY]
قيود حِمّيْدة وإحساس النائب الأول

حتى تتغير الأحوال وتتبدل نحو الأفضل وتتمكن البلاد من وقف نزيف هجرة الأطباء والاختصاصيين ويعود جيب المواطن السوداني منتفخا وليس (مقدودا) بفواتير العلاج كما وصفه السيد النائب الأول، حتى ذلك الوقت فإن على المسؤولين في ولاية الخرطوم وأولهم وزير الصحة أن يستوعبوا حقائق الواقع التي تقول إن أوضاع السودان الاقتصادية تجعل حياة الشعب السوداني الآن تمضي على وصف المواطنين (مدردقة) تحت شعار (الفقرا اتقاسموا النبقة) وتقاسموا ما يتوفر من خدمات صحة وعلاج وتعليم وكل شيء..

لا حدود بين ولايات السودان على مستوى استحقاق الخدمات الحكومية العامة، فمعظم مواطني الخرطوم هم في الأصل قادمون من قرى وأرياف السودان قبل وبعد أن فقدت الأرياف القدرة على الاحتفاظ بأهلها..

وعلى مأمون حميدة أن يتجاوز فكرة تحديد قيود على تلقي الخدمات الصحية لمواطني السودان في ولاية الخرطوم، تلك التي أشار إليها إشارة عابرة في اجتماع وزراء الصحة حتى ولو كانت تلك القيود بغرض تنظيم الانتقال واشتراط عمل (أرانيك تحويل) لأن في ذلك التقييد شبهة استقطاب لزبائن من مواطني الولايات من ذوي الدخل المتوسط للعلاج في المستشفيات الخاصة بالخرطوم بسبب إغلاق أبواب المستشفيات العامة أمامهم عبر القيود وشهادات التحويل.

أما المواطن الفقير في الولايات فإنه حين يبيع (الوراهو والقدامو) ليوفر تكاليف مجيئه للخرطوم أو يستلف مبلغا من المال لمقابلة تكاليف وتذاكر زيارته العلاجية للخرطوم والإقامة فيها بضعة أيام فإنه بالتأكيد لا يفعل ذلك إلا مضطرا وحتى حين يقرر مواطن سوداني الانتقال نهائيا للعيش في الخرطوم ليكافح فيها متعرضا لضغوط حياة المدينة و(تلتلة) الحصول على لقمة العيش هناك، فإن ذلك القرار (قرار النزوح) هو أيضا من القرارات الاضطرارية.

لا شيء يعوض راحة العيش والحياة في الموطن الأصلي للإنسان لكن الظروف (جبارة).. ولا شيء يجبر أسرة أن تنقل طفلها أو ينقل الولد والده أو والدته للعلاج في الخرطوم لو كان ذلك متاحا له في مكانه.

في اعتقادي أن أي محاولة لوضع قيود على تنقل المواطنين لتلقي الخدمات العلاجية في هذه الظروف الضاغطة لا تخلو هذه المحاولة من شبهة استقطابهم للمستشفيات الخاصة أو حرمان مرضى من المواطنين السودانيين من تلقي الخدمة الصحية بلا مبرر.

دعهم يتقاسموا (النبقة) فمثل هذه الأوضاع التي نعيشها في السودان الآن لا تسمح بتصحيح نظام الخدمات الصحية عبر قيود ولوائح موجهة للمواطن.

ولتبدأ قيادة الدولة ووزارة الصحة بتهيئة البيئة الصحية في الولايات وتوفير خدمات متوازنة أو متقاربة في نوعها وحجمها للمواطن هنا وهناك حتى يكون خيار استقرار تلقي الخدمة العلاجية خيارا طوعيا بالنسبة لمواطن الريف.

نحن ضد تقييد انتقال المرضى للعلاج في هذه الظروف وضد مثل تلك الأفكار التي تدخل وزارة الصحة في شبهات استقطاب المرضى للمستشفيات الخاصة في الخرطوم بعد أن يعجز المواطن عن استيفاء شروط تلقي الخدمة في مستشفيات الدولة.

أخيرا نقول إن توصيف السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية لمعاناة المواطن في الحصول على الخدمات العلاجية وهو يقول بعبارة صريحة الإحساس (المواطن جيبو اتقد من فاتورة العلاج) هذا التصريح ترك أثرا جميلا في نفوسنا كمواطنين بأن ثورة تصحيح أوضاع الصحة في بلادنا ليست حلما مستحيلا، لكننا نطالب النائب الأول بتولي ملف الصحة بنفسه طالما أنه يحتفظ بهذا الإحساس المنتمي لمعاناتنا التي تضاعفت بعد تولي رجال أعمال ومستثمرين في الصحة ملف الصحة، ننتظر التصحيح يا سيادة النائب الأول والذي يبدأ بتكليف وزراء يشعرون حقا بهموم ومعاناة المواطن وجيبه (المقدود).

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي