قمة 6 أبريل.. ويدور الزمان في السودان!
يزور السودان رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت للمرة الثالثة، خلال أكثر من عامين من استقلال الجنوب، والحال أسوأ مما كان عليه قبل الاستقلال في الشمال، وفي الجنوب.. معظم المشكلات في الشمال اقتصادية ومعظمها في الجنوب أمنية.. ولكن الحال في مجمله سيّئ وأقصد بذلك الحال في المنطقة كلها، وليس في السودان وحده. ولذلك يجب أن تتجاوز المباحثات بين الرئيسيْن عمر البشير وسلفاكير القضايا المحلية التي تتعلق بالصراع الدائر في جنوب السودان، أو في مناطق التمرد في السودان. هذه القضايا مع أهميتها قد تحجب النظرة العميقة والمطلوبة لجذور الأزمات في المنطقة كلها.
تصادف هذه الزيارة الخامس من أبريل، ويليه السادس من أبريل، وهو اليوم الذي شهد انتفاضة العام 1985 على حكم المشير النميري، وتعتبر الانتفاضة الثانية في السودان، البلد الذي دخل في “الربيع” منذ العام 1964، أي قبل الربيع العربية بسبعٍ وأربعين سنة، ولم يخرج منه حتى الآن.. مما يؤكد أن التغيير من أجل التغيير وحده “مجرب وغير نافع!”.
الوضع في منطقة الشرق الأفريقي برمته، يدعو للنظر العميق في أسباب هذه الكوارث. لقد تم تقسيم دولتيْن ولم تهنآ بسلام دائم، ولا بعلاقات طبيعية بعد التقسيم. هنالك الصدع الإثيوبي الأريتري وبعده ظهر الصدع السوداني الجنوب -سوداني وبين هذا وذاك تفتت الصومال وصار ثلاث دويلات بلا استقرار أو اعتراف دولي لبعضها ونشأت عشرات المعسكرات الضخمة للنازحين، ونشأ جيل جديد في التيه الصومالي.. هذا الجيل سيصبح صانعا للقرار قريباً، لأن من كان عمره بضع عشرة سنة في بداية الأزمة، يدلف نحو الأربعين حالياً وسيحكم جيلاً جله قد ولد في عين الكارثة.
في السودان لاجئون من الجنوب، وفي الجنوب لاجئون من السودان، وفي الجنوب لاجئون كنغوليون في مناطق هرب منها أهلها الجنوبيون، وفي يوغندا لاجئون من الدولتين، مع وجود مهاجرين يوغنديين في الجنوب السوداني، وبعضهم امتلك أرضاً وزرعها ثم حصدتها الحرب بالإنابة عنه.
كم عدد المليشيات والجيوش وحركات التحرر؟ أي تحرر وأي استقلال في سياق هذا الفوضى “الخلاقة” سيئة السيرة والسريرة والصيرورة؟
ما يسند الرئيسين لاتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة أن الرأي العام الشعبي في شمال وجنوب السودان، لم يعد لديه ثقة بالتدخل الدولي، ولذلك هنالك مجال أوسع للحل الوطني الخالص، وهنالك رفض واسع للتدويل. لقد صار الناس يرددون أنه من المستحيل أن الدول الغربية وبالذات أمريكا لم تخطط لما بعد انفصال الجنوب وتركته ينزلق في هذه الكارثة الإنسانية.. “لا بل قد خططت وتعرف ماذا تريد وهي جزء من هذه الأزمة”.
قمة أبريل تؤكد إمكانية توسط الخرطوم بين الفرقاء في جنوب السودان، وهم ثلاث مجموعات (حسب تقديري) وهي أولاً.. الحكومة الشرعية والجيش النظامي بقيادة الرئيس سلفاكير وثانياً.. الدكتور رياك مشار وهو النائب السابق لرئيس الجنوب وتسنده قوات قوامها من قبيلة النوير، وهي قبيلة مقاتلة ومسلحة لكنها تتهم الدينكا وهي قبيلة سلفاكير بالسيطرة على النظام واستهداف النوير. المحور الثالث وهو مجموعة السودان الجديد بقيادة باقان أموم، وهي مجموعة ذات وزن سياسي غير عسكري ولكنها تحظى بدعم أمريكي حقيقي ومستمر و”غير تكتيكي”، كما يحدث للدكتور رياك مشار.. إذ أن القصد من دعمه هو استخدامه لإضعاف سلفاكير، ومن ثم إضعافه لاحقاً بعد تطاول المواجهة.. بمعنى أن الخلاصة هي إزاحة الأقوياء معاً من الطريق.
الخرطوم تستطيع التدخل والتوسط، ولا عبرة ولا عذر بوجود نزاعات في السودان. لدينا نموذج أفريقي رائد وهو تدخل أديس أبابا في الوساطة بين شقي السودان، مع أن دولة إثيوبيا ذاتها تعاني من خلاف مع أريتريا وتستهدفها بعض حركات التمرد من الداخل. رغم كل هذا نجحت إثيوبيا في نزع فتيل الأزمة بين الشمال والجنوب، ولديها حالياً قوات في منطقة أبيي المتنازع عليها.
[/JUSTIFY]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني